من فرنسا إلى بلجيكا.. إصلاحات تعليمية كبرى تعيد رسم المشهد التربوي في أوروبا

فرنسا وبلجيكا تشهدان موجة إصلاحات تعليمية تهدف إلى تحديث المنظومة التربوية والتكيف مع متطلبات العصر الرقمي والضغوط الاقتصادية.
تشهد فرنسا منذ عام 2025 تنفيذ سلسلة إصلاحات هيكلية واسعة في التعليم، تركز على تطوير تكوين المعلمين وتجديد المناهج بما يتلاءم مع متطلبات العصر الرقمي. ووفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، ستتيح الحكومة اعتبارًا من عام 2026 مسابقات الالتحاق بمهنة التعليم ابتداءً من مستوى الإجازة (Bac+3)، مع توفير برامج ماجستير ممولة للطلبة المعلمين خلال تدريبهم العملي.
تهدف هذه الخطوة إلى جذب مزيد من الكفاءات الشابة إلى مهنة التعليم، وتقديم تدريب مهني مبكر ومتعمق، خصوصًا مع إطلاق إجازة مهنية جديدة باسم "أستاذ المدارس". كما ستُدرج مناهج جديدة مثل التربية على الحياة العاطفية والعلاقاتية اعتبارًا من العام الدراسي 2025، إلى جانب وضع إطار تنظيمي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم.
إصلاحات تقشفية في بلجيكا
ولم تقتصر الديناميكية الإصلاحية على فرنسا، بل شملت بلجيكا، حيث تخوض حكومة اتحاد والونيا – بروكسل مرحلة حساسة لإعادة هيكلة قطاع التعليم، ضمن موجة أوسع تهدف إلى رفع الكفاءة التعليمية وخفض النفقات العامة.
وفي خطوة أثارت جدلاً داخل الأوساط التعليمية والنقابية، أعلنت الحكومة الفدرالية في اتحاد والونيا – بروكسل حزمة إجراءات تقشفية تشمل زيادة ساعات عمل معلمي المرحلة الثانوية العليا، ومراجعة نظام الإجازات المرضية، وتقليص الميزانية المخصصة لمجانية التعليم، إلى جانب إعادة المعلّمين المنتدبين إلى مدارسهم الأصلية، وفقًا لإذاعة "إر.تي بي" البلجيكية.
وتستهدف هذه الإجراءات تحقيق وفورات مالية تُقدّر بـ86.7 مليون يورو، ما ينذر بتداعيات كبيرة على القطاع التربوي بأكمله.
تفاصيل الإصلاحات المقترحة
بحسب تقرير الصحفيين إيريك بورغراف وشارلوت هوتان في صحيفة "لوسوار" البلجيكية، تهدف الحكومة إلى إلزام أساتذة التعليم الثانوي العالي بالعمل ساعتين إضافيتين أسبوعيًا لمواءمة عبء العمل مع نظرائهم في التعليم الثانوي الأدنى.
ويأتي هذا القرار كجزء من تطبيق توصيات تقرير أعدّه خبراء مستقلون بتكليف من اتحاد والونيا – بروكسل، والذي حذر من أن تنفيذ الإصلاحات "بحذافيرها" سيؤدي إلى "دموع ودماء"، نظرًا لتأثيرها القاسي على العاملين في القطاع العام، وخاصة في مجال التعليم.
التداعيات المحتملة على المعلمين والطلاب
من المتوقع أن تؤدي هذه القرارات إلى زيادة الضغط على المعلمين، الذين يعانون أصلًا من نقص الكوادر وارتفاع الأعباء الإدارية. كما أن خفض الموارد المخصصة لمجانية التعليم قد ينعكس سلبًا على تكافؤ الفرص بين الطلاب، خصوصًا في المناطق الأقل حظًا.
إلى جانب ذلك، يُنظر إلى مراجعة نظام الإجازات المرضية وإعادة المعلّمين المنتدبين إلى مدارسهم الأصلية على أنها محاولة لترشيد النفقات على حساب راحة العاملين واستقرار المؤسسات التعليمية.
ردود فعل أولية من النقابات والحكومة
أبدت النقابات التعليمية رفضًا واسعًا لهذه التوجهات، معتبرة أن الحكومة "تُحمّل المدرّسين وحدهم تكلفة العجز المالي"، وأن هذه الإجراءات "ستؤدي إلى تراجع جودة التعليم وزيادة حالات الإرهاق المهني بين المعلمين".
وفي المقابل، بررت الحكومة قراراتها بأنها ضرورية لإعادة التوازن إلى الميزانية، مؤكدة أن الإصلاحات لن تمس بجوهر الخدمات التعليمية، بل تهدف إلى "تحسين الكفاءة التشغيلية" للقطاع.
مستقبل التعليم في بلجيكا
يبدو أن قطاع التعليم في بلجيكا يدخل مرحلة جديدة من التقشف والإصلاح الصعب، وسط توازن دقيق بين الحاجة المالية الملحة والحفاظ على جودة التعليم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز