ترسبات الماضي وأطماع السيطرة.. لماذا يكره "الإخوان" الأزهر؟
لا شيء يخفي حنق الإخوان ضد الأزهر الشريف في مصر، فعلى مر العصور كان الكره لهذه المؤسسة الدينية ملازما للجماعة.
فلم تخلُ حقبة من التنمر والتحفز ضد الأزهر، ومنذ مؤسس تنظيم الإخوان حسن البنا، وإلى اليوم لا يحمل الإخوان أي تقدير لهذا الرمز الديني، الذي انتشر تأثيره، خارج مصر، وانغرس احترامه في نفوس المسلمين بكافة أنحاء العالم، بما يجمله رموزه من مكانة علمية وسط الفقهاء والعلماء في الدول الإسلامية.
ولا تكاد تخلو مرحلة من تاريخ الجماعة الإرهابية، من كتابات الإخوان الناكرة لمعروف الأزهريين، مع توجيه الإساءات لشيوخ المؤسسة الدينية المصرية، دون مراعاة حرمة المكانة العلمية، أو قدسية حمل العلم الشرعي.
معاداة المرجعيات الدينية
ويرتبط هذا الموقف المتشدد من الأزهر، بتكوين جماعة الإخوان، التي تحلم أن تكون المرجعية الدينية للشعوب المسلمة، وصاحبة الصوت الشعبي الديني المسموع، لذلك تعادي كافة المرجعيات، وفي سبيل ذلك تمجد شخصيات بعينها باعتبارهم "مفكرين إسلاميين" خصوصًا لو كانوا متصلين بالإخوان بصورة أو أخرى.
حيال ذلك يقول الدكتور خالد عمران؛ أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: "هذه الجماعة تحاول جاهدة تحويل فكر الدولة إلى فكر التنظيمات، بغرض السيطرة والتمكين بمفاصل الدولة".
وأضاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "تنظيم الجماعة الإرهابية يستهدف كل مؤسسات الدولة بدايةً من الشرطة والجيش والقضاء والتربية والتعليم والاقتصاد، وتأتي المؤسسة الدينية الرسمية على رأس المؤسسات التي نالت من سهام الإخوان الكثير"
ويوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ملامح حرب الإخوان ضد الأزهر بقوله: "لا تتوقف الجماعة عن محاولاتها عن النيل من الأزهر (ككيان شامل) من كافة جوانبه، سواء بالنيل من رموزه الكبار مثل: شيخ الأزهر وسماحة المفتي وفضيلة وزير الأوقاف، أو التشكيك في منتجها الفكري والفقهي والعلمي، وكذلك استهداف مؤسساتها التعليمية (المعاهد /الجامعة)، أو السخرية من خطبائها ووعاظها، كل هذا من أجل سرقة المكانة والوظيفة الدينية لمؤسسة الأزهر".
عداء للدولة الوطنية
ويردف عمران أن "هذه السرقة تقوم أساسًا عبر تجنيد وتوظيف من يقبل تلك الأفكار الخبيثة بهدف نشر فكرة أنهم يملكون الفهم الصحيح للدين والقدرة على إقامة الدولة المتخيلة في أذهانهم، ومن ثم يقنعون أتباعهم بضرورة هدم الدولة الوطنية الحديثة بكل مؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسة الدينية الرسمية".
ويكشف المسؤول بدرا الإفتاء، السر وراء هذا العداء القديم المتجدد قائلاً: “إن الأزهر بصفته المؤسسة الدينية الرسمية هو القادر على مواجهة أفكارهم (الإخوان) المتطرفة وكشف زيفها وتهافتها، وهو القادر على تصحيح المفاهيم لدى الجيل الجديد، ولا ننسى أن الشيخ المراغي هو أول من كشف زيف تلك الجماعة، وأنها سعت لتكون بديلاً عن مشيخة الأزهر، واستحلت لنفسها إصدار الفتاوى، لذا طالب بحلها عام 1948".
حرباوية الإخوان
فيما يرى الدكتور طارق أبو هشيمة مدير مؤشر الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن "الإخوان يحكمهم في مواقفهم من مؤسسات الدولة الانتهازية وعدم العدالة والموضوعية"، مشددا في تصريح لـ"العين الإخبارية" على أن "الإخوان يناصبون الأزهر العداء برموزه الثلاث (مشيخة الأزهر– الإفتاء– الأوقاف) لكن مواقفهم تتأرجح أحيانا حسب مصلحتهم".
وأوضح أنه "إذا كانت مصلحتهم الوقوف إلى جوار الأزهر والمؤسسة الدينية، امتلأ خطابهم بالإجلال والتقدير، وإذا انتفت المصلحة، تبدأ حرب الاتهامات والانتقادات، وتاريخهم شاهد على ذلك".
ويتذكر أبو هشيمة مواقف الإخوان المتناقضة من الأزهر؛ فبعد سقوط حكم الجماعة لمصر اتهم يوسف القرضاوي، الأزهر بالتراجع عن دوره بزعمه أن "الأزهر أصبح غير مستقل إداريًّا وماليًّا عن الدولة، وأصبح شيخ الأزهر موظفًا عند الحكومة، وكذا رئيس جامعة الأزهر، والعلماء والوعاظ أصبحوا موظفين، تستطيع الدولة تعزل من شاءت متى شاءت".
بل قامت الجماعة -يقول أبو هشيمة- بالتجريح في شخص شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب؛ عندما قال القرضاوي أيضا: "إن شيوخ الأزهر الكبار الآن يقفون موقف المصفِّق للباطل، الموافِق للحاكم، المناوئ لخصومه؟! حتى رأينا شيخ الأزهر يبارك الانقلاب على الشرعية، ويقف في صف الخائنين المنقلبين"، حسب تعبيره.
ولأن موقفهم يحكمها الانتهازية فبعد سنوات من انتهاء عهد الجماعة وفي إطار رغبتهم في التقرب للشعب المصري استغلالاً لمكانة الأزهر الشريف العظيمة في نفس الشعب، أصدروا بياناً عام 2017 يزعمون فيه أنه يدافعون عن الأزهر، تضمن، قولهم: "نحن قد نتفق أو نختلف مع مشيخة الأزهر، لكن الأزهر نفسه كمؤسسة علمية وعالمية وإسلامية نحترمها، ونتوجه إليها بالنصح والرأي، دون أن يمس ذلك مكانة الأزهر الشريف".
وبالنسبة لعلاقة الجماعة بدار الإفتاء حدث تحول جذري في الموقف من هذه المؤسسة العريقة وعلمائها، فخلال حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، كان الترحيب الكبير بتعيين الدكتور شوقي علام، مفتيًا للديار المصرية، بقولهم: "مما يثلج قلوبنا، ويشرح صدورنا، عودة اختيار هذا المنصب الرفيع إلى أهله، وهم كبار علماء الأزهر الشريف، فلكم أن تفخروا بـأنكم تبوأتم هذا المكان الرفيع باختيار كبار العلماء لكم، وليس بتعيين الساسة أو الحكام".
بل واعتبر القرضاوي هذا التعيين فتحًا جديدًا بقوله: "ما حدث بانتخاب هيئة كبار العلماء لمفتي مصر الجديد، هو فتح جديد لنظام ينبغي أن تعتمده كل المؤسسات الدينية، لأنها عملية ديمقراطية تحدث لأول مرة".
لكن عقب زوال حكم الإخوان عادت الجماعة لاتهام المفتي بمخالفة "الشرع"، و"السعي لإرضاء الحاكم"، والاتهام "بتكثيف أحكام الإعدامات"، رغم أن الأحكام التي تقدم للدار لإبداء الرأي الشرعي فيها "لا تخرج عن ثلاث حالات: قتل عمد فيكون الإعدام بمثابة القصاص، أو حرابة؛ تعني الإفساد في الأرض، فاختار القانون المصري أن تكون عقوبة هؤلاء هي القتل أي الإعدام، والثالث هو تعزير المتهم، مثل قضايا الجاسوسية والتخابر، ويكون حكم الإعدام في صاحبها واجبًا".
ويسترسل أبو هشيمة قائلا: "هذه الجماعة قائمة على أفكار هشة ومتناقضة؛ ففي الوقت الذي تكيل فيه الاتهامات للمؤسسة الدينية ورجالها نجدها تقدم مختلف أشكال الإجلال والتعظيم لدعاتها متغافلة عن أي خطأ يصدر عنهم، معتبرين أن التعرض لدعاة الجماعة تجريد الأمة من منابرها الحرة".
مصلحة بلا مبادئ
أما الشيخ طارق عبد الرحمن إمام وخطيب بالأوقاف، فيرى أن "معارك تنظيم الإخوان الإرهابي يتحرك وفق المنفعة لا من حيث المبدأ"؛ ويعرج في تصريحه لـ"العين الإخبارية"، تناقض مواقف الإخوان من مؤسسة الأزهر.
ويقول: "نجدهم تارة يهاجمونه، وتارة يدافعون عنه، وواهم من يظن أن دفاع التنظيم عن الأزهر الشريف هو من باب الحرص على تلك المؤسسة التي لها رصيد كبير وعظيم ليس في قلوب المصريين خاصة وإنما في قلوب العرب والمسلمين جميعاً".
ويرى الشيخ طارق أن "هدف الإخوان الأساسي سرقة الأضواء والمواقف التي إذا أرادوا إثبات أنهم مع الأزهر استشهدوا بها"، وهنا يستذكر موقف الإخوان من الأزهر عندما كانوا في الحكم، قائلا: "على سبيل المثال حرصهم على إهانة شيخ الأزهر بوضع مقعد لا يليق بمقام المشيخة في حفل جامعة القاهرة، وقبل أن يؤدي محمد مرسي اليمين الدستورية، وفي واقعة أخرى أشد قبحاً من السابقة وفي حفل خاص بالقوات المسلحة تجاهل مرسى مصافحة شيخ الأزهر أمام الجميع في مشهد في غاية السوء".
وحول أسباب حملات التشكيك الإخوانية ضد الأزهر يقول الشيخ طارق: "يحاول التنظيم دائماً أن يُصور لنا أن حرباً شرسة يتعرض لها الأزهر، وأن السلطة الحالية تعمل على إضعافه, وأنهم هم فقط من يستطيع حماية المؤسسة الدينية، في حين أنهم أول من يريد هدمها".
وبهذا الخصوص يوضح قائلا: "إن خلاصة تحركات الإخوان تقوم على فكرة واحدة؛ وهي إحداث وقيعة بين شيخ الأزهر ورئيس الجمهورية من ناحية، وبينه وبين وزير الأوقاف من ناحية أخرى، حيث الحديث عن وجود خلاف وصدام دائم، وذلك في عدة قضايا منها: تجديد الخطاب الديني، والخطبة المكتوبة، وتكفير داعش، والطلاق الشفوي".
ويختم الشيخ طارق حديثه بالتأكيد على أن يوسف القرضاوي من خلال مذكراته سعى للحط من شأن الأزهر، حيث كان يوجه إليه النقد، وفى المقابل يرفع من شأن التنظيم، وكأنه يتوهم أن بناء التنظيم لن يتحقق ويكتمل إلا بهدم تلك المؤسسة العريقة، كما أنه قام بعد ذلك بإنشاء ما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" ليكون بديلاً للأزهر، لكن الأخير ما زال يحافظ على مكانته.
aXA6IDE4LjIyNi4yMDAuMTgwIA== جزيرة ام اند امز