جمال حمدان.. "شاعر الجغرافيا" نجم معرض القاهرة الدولي للكتاب

اسم جمال حمدان يحتفظ بجاذبية خاصة تصل به إلى مقام الأسطورة في الفكر المصري المعاصر بسبب الظروف التي عاشها، وظروف وفاته الغامضة

لاقى اختيار المفكر الجغرافي المصري جمال حمدان، كشخصية ثقافية يحتفل بها معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال دورته المقبلة، استقبالا طيبا في الأوساط الثقافية المصرية والعربية.

وتنطلق فعاليات المعرض، الأربعاء، وتستمر حتى 4 فبراير/شباط بمركز مصر للمؤتمرات بضاحية التجمع الخامس شرقي القاهرة.

ويرى الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة المنظمة للمعرض أن اختيار "حمدان" يعطي الفرصة أمام الشباب لاستعادة أعماله وقراءتها من جديد بغرض إنصافه، حيث عاش في عزلة اختارها ليكمل مشروعه.

وتظهر صورة حمدان على كل ملصقات معرض القاهرة للكتاب ومواد الدعاية المروجة له، وبهذه المناسبة تطرح الهيئة العامة للكتاب خلال المعرض كتاب "شخصية مصر" الذي يعد أشهر كتب "حمدان"، في مكتبة الأسرة بالاشتراك مع دار الهلال ناشر الطبعة الأصلية.

كما تطرح قصة مصورة في كتاب كوميكس للأطفال كتبه هيثم السيد ورسمه ياسر جعيصة، ليتاح للأطفال الاقتراب من عالمه.

ويوصف حمدان (4 فبراير/شباط 1928م - 17 أبريل/نيسان 1993) في عدد من الأدبيات بـ"شاعر الجغرافيا"، نظراً لقدرته الفذة بالانتقال بهذا العلم من حدود التخصص الضيق إلى فضاء أوسع يتجاوز دوائر المتخصصين.

وقد عرف علم الجغرافيا كما أراده بقوله: "علم بمادتها، وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظراتها.. وهذا الرؤية ثلاثية الأبعاد في التعاطي مع الظاهرة الجغرافية تنقل عالم الجغرافيا من مرحلة المعرفة إلى مرحلة التفكير، ومن جغرافية الحقائق المرصوصة إلى جغرافية الأفكار الرفيعة".

ويضاعف من الشعور بدلالة الاختيار وقيمته أن حمدان كان إلى جانب حماسه لشخصية مصر الجغرافية، كان أيضا من دعاة تواصل مصر مع محيطها الإقليمي العربي، لأنه عبر بامتياز عن الخيارات التي أتاحها النظام الناصري في سعيه لتعميق المجال المصري في إطار الدوائر الثلاث؛ العربية والأفريقية والإسلامية.

ويحتفظ اسم حمدان بجاذبية خاصة تصل به إلى مقام الأسطورة في الفكر المصري المعاصر بسبب الظروف التي عاشها، كما أن ظروف وفاته التي لا تزال غامضة ضاعفت من الرغبة في تخليده نظرا لمساهماته الاستثنائية.

ولد حمدان في قرية ناي بمحافظة الدقهلية، شمالي مصر، ودرس علم الجغرافيا دراسة أكاديمية، لكنه سعى إلى ربط حركة التاريخ بالمجال الجغرافي والاهتمام بالتحليل الاستراتيجي، لذلك نالت مقالاته خلال الستينات اهتماما كبيرا.

ظهرت النواة الأولى لمشروعه الكبير "شخصية مصر" في ظرف سياسي حرج تزامن وهزيمة عام 1967، كما امتلك قدرة على استشراف المستقبل، فبينما كان دعاة الاشتراكية يراهنون خلال الستينات على الاتحاد السوفيتي، كان من أوائل من توقع تفكيك الاتحاد وانهيار الكتلة الاشتراكية، وكان ذلك في عام 1968.

كما كان الرجل أيضا من أوائل من واجهوا المزاعم الصهيونية التي تروج لواقعة خروج اليهود من فلسطين في كتابه "اليهود أنثرولوجيا" الصادر عام 1967.

في هذا الكتاب أثبت بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقوا اليهودية في القرن الـ8 الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات علماء آخرون.

انفصل حمدان عن الوسط الجامعي وفضل أن يتحول لمفكر حر وتحرر من قيود الارتباط بالمؤسسة الرسمية وأكمل مشروعاته العلمية في ثوب "راهب"،  وتوقع في مؤلفاته الأخيرة رواج فكرة الصراع المزعوم بين الحضارات لحشد أكبر عدد من الحلفاء ضد العالم الإسلامي. 

وحظي خلال رحلته بجوائز عديدة أبرزها "جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1986م- مصر"، و"جائزة التقدم العلمي سنة 1992م - الكويت". 

وجاءت وفاته إثر تسرب الغاز واندلاع حريق في بيته لتؤكد احتمالات تعرضه لجريمة، لكن ظروف الحادث وملابساته لا تزال غامضة إلى الآن.

وعثر على جثته والنصف الأسفل منها محروقاً، واعتقد الجميع أن حمدان مات متأثراً بالحروق، ولكن الدكتور يوسف الجندي مفتش الصحة بالجيزة أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز، كما أن الحروق ليست سبباً في وفاته، لأنها لم تصل إلى درجة إحداث الوفاة. 

وتبنى رواية "قتله" فيلم وثائقي تم بثه على الفضائيات المصرية قبل عام بعنوان "مبني للمجهول"، وفي الفيلم تحدث الروائي يوسف القعيد، الذي أجرى حواراً مع الراحل وقال إن جمال حمدان كان يصمم أغلفة كتبه بنفسه.

وتحدث أقرباء له آنذاك عن اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها، مثل كتاب آخر عن "العالم الإسلامي المعاصر" غير كتابه القديم الذي يحمل هذا العنوان "العالم الإسلامي" الذي كتبه سنة 1965، ثم عاد وأكمله وتوسع فيه بعد ذلك، لدرجة أنه أصبح كتاباً جديداً. والكتاب الثالث: عن علم الجغرافيا.

aXA6IDE4LjExOC4xOTMuMjIzIA==

جزيرة ام اند امز