السادات و"عصا موسى" التي شق بها البحر إلى سيناء
كانت عصا موسى هذه المرة بيد الرئيس أنور السادات والجيش المصري، ولكنها ليست عصا سحرية، ولكنها عصا التخطيط والتدريب ورفض الاستسلام
تقول قصة موسى وبني إسرائيل إن النبي موسى ضرب بعصاه البحر فانشق وانفلق إلى جزأين كأنهما جبلان، وظهرت أرض بينهما سارع بني إسرائيل لاجتيازها، ثم انطبق الجزءان على خصومهم حين حاولوا اللحاق بهم.
فعبور بني إسرائيل البحر لم يكن معجزة بشرية، ولم يتطلب منهم أي مجهود أو تخطيط، بل كان معجزة إلهية خالصة لم يتكبد فيها بنو إسرائيل أية تكاليف أو خسائر أو تضحيات.
وبعد مئات السنين تكررت قصة العبور، ولكن هذه المرة البطولة للجيش المصري، وهي بطولة مستحقة؛ لأنها كانت بمعجزة بشرية نادرة، مؤيدة بتوفيق إلهي وعد به البشر الذين يعدِّون العدة لاستعادة أرضهم المسلوبة.
وكانت عصا موسى هذه المرة بيد الرئيس المصري أنور السادات والجيش المصري، وفق تعبير بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها ليست عصا سحرية، ولكنها العصا التي أمر الله عبيده جميعاً بحملها، وهي التخطيط العلمي والتدريب والصبر وتقديم التضحيات المؤلمة ورفض الاستسلام.
وانفلق البحر أيضاً، ممثلاً في قناة السويس، بتلك العصا المصرية، لينشق ليس عن أرض يعبرها المصريون بسهولة، ولكن عن الكباري التي جهزها المصريون وألقوها بسرعة البرق في مياه القناة عند انطلاق أمر العبور.
حصون خيبر وخط بارليف
وقبل 1400 عام شيَّد اليهود حصونهم لحماية أنفسهم من المسلمين خلال معاركهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لم تحمهم كما كانوا يتمنون، خاصة أن قضيتهم لم تكن عادلة.
وكرروا الأمر بتشييد حصون في سيناء على الضفة الشرقية لقناة السويس ضد الجيش المصري، وأيضا لم تنفعهم لأن قضيتهم أيضا لم تكن عادلة.
تم إنشاء خط بارليف عقب معركة رأس العش التي نفذتها قوات الصاعقة المصرية في أول يوليو/تموز 1967، أي بعد 25 يوما فقط من عدوان 1967، وهاجمت القوات الإسرائيلية وكبدتها خسائر كبيرة، ثم نفذت عمليات أخرى يومي 14 و15 يوليو/تموز من نفس العام.
وعلى وقع هذا المفاجآت أمرت إسرائيل قواتها بإنشاء مواقع ميدانية محصنة على طول المواجهة لصد محاولات العبور المصرية.
ومع نهاية 1967، قرر الجنرال حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي، وقتئذ، إقامة تجهيزات حصينة على طـول القناة، وحدد الجنرال بارليف استراتيجية بناء الخط لتحقيق هدف "البقاء الدائم في سيناء".
وبدأ إنشاء خط بارليف في مارس 1968، بتكلفة تترواح بين ربع ونصف مليار دولار، وروجت إسرائيل إعلامياً لهذا الخط على أنه مستحيل العبور، وأنه يستطيع إبادة الجيش المصري إذا ما حاول عبور القناة.
كما قال خبراء غربيون وروس إنه لا يمكن تدميره إلا بقنبلة ذرية.
لماذا هو الأقوى في التاريخ
يبدأ خط بارليف من قناة السويس حتى عمق 12 كم داخل سيناء، ويمتد على طول الضفة الشرقية لقناة السويس بارتفاع نحو 22 مترا وبطول 170 كم، وصمم الساتر الترابي الواقع أمام واجهة بارليف على القناة بانحدار بزاوية 45 درجة على الجانب المواجه للقناة لتعجيز أي بشر أو معدات عن عبوره.
ويتكون من 3 خطوط متوازية ومنفصلة تحتوي على النقاط الحصينة التي سُميت بالدشم، وكل دشمة بها جنود مهمتهم الإبلاغ عن أي محاولة مصرية للعبور وتوجيه المدافع نحو من يغامر بالعبور.
وهذه الدشم تتكون من الأسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للوقاية من كل أعمال القصف، وتضم ملاجئ للأفراد تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة حتى قنابل زنة ما بين ألف وألفين رطل.
كما يطل مباشرة على قناة السويس، وهو في حد ذاته مانع مائي طبيعي قوي، وفي قاعدة بارليف أنابيب تصب في القناة لإشعال سطحها بالنابالم في حالة محاولة القوات المصرية العبور.
ومن الصدف أن إحدى هذه النقاط الحصينة تسمى نقطة عيون موسى قبالة مدينة السويس.
ولضمان سرعة الاتصالات والإغاثة فكل موقع بالمواقع الأخرى سلكيا ولاسلكيا، مع ربط الخطوط التليفونية بشبكة الخطوط المدنية في إسرائيل؛ ليستطيع الجندي في خط بارليف محادثة منزله في إسرائيل ورفع روحه المعنوية هو وعائلته.
وشارك في تصميمه ألمانيا، بلجيكا، أمريكا.
وقالت عنه رئيسة الوزراء الإسرائيلية قبل حرب أكتوبر إن تصور عبور القوات المصرية إلي الضفة الشرقية للقناة "يعتبر إهانة للذكاء"، ووافقها وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان قائلا إن بارليف سيكون الصخرة التي تتحطم عليها عظام المصريين.
"عصا مصر" لتدمير بارليف
درس الجيش المصري تكوينات خط بارليف عبر وسائله في المراقبة والتجسس، وأجرى دراسات وتجارب سرية زادت على 300 تجربة على وسائل تدمير الخط عبر المتفجرات وغيرها.
وخلال التفكير والتدريب بزغت فكرة إزالة الساتر الترابي بخراطيم المياه شديدة الاندفاع، وهي فكرة استوحاها ضابط مهندس يدعى زكي باقي يوسف من عمله في بناء السد العالي وسط جبال ورمال محافظة أسوان.
وإلى جانب التخطيط العسكري، كانت مهارة الحرب الإعلامية التي دبرت عنصر المفاجأة للعدو، بعد فترة طويلة من التمويه والإيحاء بعدم استعداد الجيش المصري للقتال.
وقبل العبور بيوم واحد، نجحت الضفادع البشرية المصرية في سد فتحات مواسير النابالم سرا يوم 5 أكتوبر 1973 لتأمين القوات خلال عبورها ومنع إسرائيل من تحويل مياه القناة إلى جحيم يغلي.
ومع نجاح خراطيم المياه في فتح ثغرات في جسد الساتر الترابي لتمهيد الطريق للعبور ودخول سيناء، انطلقت الضربة الجوية المصرية الأولى لتشتيت شمل العدو وشل حركته لفترة تسمح بتأمين الموجة الأولى للعبور، ثم انطلقت المدفعية والدفاع الجوي في عملها في قصف خط بارليف.
الانهيار الأكبر
عبر الجيش المصري القناة و"أفقد العدو توازنه خلال 6 ساعات" وفق تعبير السادات في خطاب النصر.
وبنفس قوة وسرعة انهيار تحصينات خط بارليف انهارت كذلك معنويات قادة إسرائيل حيث وصف وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشي ديان خط بارليف بأنه كان "كقطعة جبن هشة".
وبعدما سقطت تحصينات بارليف طلب أحد الصحفيين من الجنرال حاييم بارليف تفسيرا لتآكل خط بارليف وانهياره بهذه السرعة فأنكر بارليف نسبة التحصينات إليه وتسميتها باسمه، وقال إن التسمية بدعة صحفية وليست تسمية رسمية، وفق ما نقلته تقارير إعلامية.
كما وصفت وكالة "يونايتد برس" الأمريكية ما جرى بأن انهيار خط بارليف هو "أسوأ نكسة عسكرية تصيب إسرائيل في تاريخها".
aXA6IDEzLjU4LjM0LjEzMiA=
جزيرة ام اند امز