التنسيق الدائم بين الرياض والقاهرة يبعث رسالة قوية لداعمي الإرهاب، بأنه ما من سبيل للنَيْل من القوتين الكبريين على صعيد الوطن العربي.
لم يكن مفاجئاً اختيار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مصر المحطة الأولى له في زيارته الخارجية الأولى منذ توليه منصبه في يونيو 2017، فالدولتان تشهدان أعلى مستوى من التنسيق والتطابق في المواقف السياسية تجاه ملفات المنطقة، ولعل أبرزها مقاطعة قطر والمشاركة المصرية في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والسعي الحثيث من القاهرة والرياض، للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة العربية.
ليس هذا فحسب فمحاربة الإرهاب والقضاء عليه يكاد يكون الملف الأبرز الذي تدعم فيه السعودية مصر على نحو كبير، وهو الملف الذي احتل مكانة كبيرة في سياسة ولي العهد السعودي الذي أفرد له حديثاً خاصاً على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار التي انعقدت جلساتها في أكتوبر من العام الماضي، حين قال بالفم الملآن "إن بلاده ستدمر التطرف، وجيل الشباب السعودي الذي يشكل 70% من المجتمع السعودي يرغب في العيش كما كانت المملكة قبل عام 1979، حيث لا تشدد وإنما بتعاليم الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب".
إنّ قوة التنسيق المصري السعودي ستدفع بدول العالم الباحثة عن شركاء فعليين للخلاص من التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لأخذ زمام المبادرة والمشاركة بشكل فعلي في القضاء على كل الحركات المؤدلجة الساعية لخراب المجتمعات وتدمير الدول.
على مرّ السنوات الثلاثين الماضية كنا نسمع دائماً مصطلح محاربة الإرهاب أو تطويق آثاره السلبية على مجتمعاتنا التي دفعت الثمن الأكبر قبل غيرها، من السعودية إلى العراق فمصر وليس انتهاء بسوريا وليبيا واليمن وبلاد المغرب العربي الذي عاشت فيه الجزائر العشرية السوداء على مرأى العالم، وهي تدفع خيرة شبابها في سبيل تخليص البلاد من هذه الآفة الخطيرة.
ولكن في هذه المرة أتت التصريحات أكثر قوة وتصميماً من الحكومتين المصرية والسعودية تجاه المتطرفين والمتشددين، الذين زجوا عشرات آلاف الشباب العربي في ساحات المعارك الدائرة في بلداننا العربية دون وجه حق ولا مرجعية شرعية، سوى الأهواء الحزبية الضيقة بينما ينعم دعاة التطرف بحياتهم ويعيشون تفاصيلها ويوثقون ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجوبون في رحلاتهم كل الأماكن الجميلة في "بلاد الكفر" كما يسمونها في جلساتهم الخاصة، ويتجولون في قصورهم الفخمة وسياراتهم الفارهة تحت عباءة تفسيرهم للآية الكريمة "ولا تنسَ نصيبَكَ من الدنيا"، والذي لا ينطبق حكمها إلا عليهم وذويهم بينما أبناء الآخرين لا ضير بأن يفجروا أنفسهم في سوريا والعراق ومصر وليبيا تحت مصطلح نصرة الإسلام والمسلمين وفق فتاوى هؤلاء.
من المؤكد أن ثمة ملفات كثيرة وكبيرة ستكون على أجندة الزيارة التي يعتزم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القيام بها إلى مصر وبريطانيا والولايات المتحدة.
في الحقيقة إن الذي يهم شعوب المنطقة العربية المتضررة بشكل مباشر من الأعمال الإرهابية، هو قوة التنسيق ما بين مصر والسعودية على الصعيدين الأمني والديني، ولعلنا نتناول كل واحد على حدة.
التنسيق الدائم بين الرياض والقاهرة يبعث رسالة قوية لداعمي الإرهاب، بأنه ما من سبيل للنَيْل من القوتين الكبريين على صعيد الوطن العربي، خصوصاً في ظل سعي بعض الدول العربية منها والإقليمية لضرب الاستقرار في مصر والسعودية، لتخلو لهم الساحة بالسيطرة والتفرد بالقرار العربي وتنفيذ كل محور أجندته في منطقتنا.
أما الأكثر أهمية هو التنسيق الديني، فالمملكة هي أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية، وهذا يجعل منها المرجع الأول للمسلمين على أرض المعمورة، وما تنتهجه المملكة من إسلام وسطي معتدل يمكن المضي به في سائر البلدان المسلمة الأخرى ما يقطع الطريق على كل المتخذين الدين وسيلة لتحقيق غاياتهم الدنيوية والسياسية في آن واحد.
أما مصر ففيها الأزهر وهو الجامعة الأكبر على مستوى العالم الإسلامي، والذي يتعلم فيها الشباب المسلم من شتى أنحاء العالم المنهج الإسلامي الحنيف الذي لا تشدد فيه ولا غلو، وعليه فإنه من الواجب على هذا الصرح الإسلامي الكبير بعلمائه والقائمين عليه التحرك لتوعية الشباب العربي المسلم من خطر التنظيمات المتطرفة، التي تعتمد في معظمها على استغلال جهل الشباب بتعاليم دينهم وتقوم بتجنيدهم وغسل عقولهم والسير بهم نحو التهلكة، وإلا كيف يُفسّر أن أغلب من يفجر نفسه من هؤلاء الشباب لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر.
نستطيع القول إن قوة التنسيق المصري السعودي ستدفع بدول العالم الباحثة عن شركاء فعليين للخلاص من التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها الولايات المتحدة، لأخذ زمام المبادرة والمشاركة بشكل فعلي في القضاء على كل الحركات المؤدلجة الساعية لخراب المجتمعات وتدمير الدول لتنفيذ مشاريعها، وهذا غير مقتصر على دين بحد ذاته، فالتطرف سلوك يمتطيه البعض لتحقيق غاياتهم حتى وإن كان ثمن ذلك دماء الأبرياء هنا وهناك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة