مفترق طرق حاسم.. مصر وتركيا عَقد من المد والجرز
تقف مصر وتركيا على مفترق طرق حاسم لاستعادة علاقات طبيعية بينهما، بعد قطيعة دامت ثماني سنوات.
لكن كيف كانت العلاقات بين البلدين قبل عقد من الزمن؟
جرت خلال السنوات الأخيرة مياه كثيرة تحت جسر العلاقات التركية المصرية، وبين مد وجزر وصل الخلاف السياسي ذروته، بطرد القاهرة سفير أنقرة في نوفمبر عام 2013.
طرد السفير التركي أنهى فترة ذهبية من التقارب، وأدخل البلدين في دوامة توتر وخلاف استمرت حتى العام الحالي، الذي يعرف توددا غير مسبوق من أنقرة لتطبيع العلاقات مع مصر.
لم يكن وضع العلاقات المصرية التركية في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك على ما يرام، إذ لم تفلح المجاملات الدبلوماسية وجهود أنقرة للتقارب في ترسيخ تماسّ حقيقي يصل التنسيق السياسي في ملفات المنطقة، وإن نجحت في إدارة الخلاف لفترة من الزمن.
العصر الذهبي
عدم الرضا المتبادل ظهر في مسارعة الجانب التركي إلى زيارة مصر فور الإطاحة بمبارك إثر ثورة 25 يناير 2011.
فكان الرئيس التركي عبدالله غول أول رؤساء العالم وصولا إلى القاهرة، عقب خروج مبارك من السلطة، لدعم "الحكام الجدد" من جماعة الإخوان الإرهابية والمدعومة بقوة من أنقرة.
وبعده بقليل وتحديدا سبتمبر/أيلول من العام ذاته، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في مصر منتشيا بفوز جديد في الانتخابات التشريعية.
وطوال عهد الرئيس الراحل المنتمي للإخوان محمد مرسي كانت العلاقات بين القاهرة وأنقرة تتجاوز في التقارب حاجز السيادة المصرية، حسب المتابعين حينها، وأصبح تبادل زيارات مسؤولي البلدين خطا ساخنا في الملاحة الجوية.
رئيس وزراء مرسي، هشام قنديل، زار تركيا في مايو 2013، وعقد لقاءات عدة مع المسؤولين الأتراك، إضافة إلى غول وأوردوغان، وهو ما انعكس على دور مصر في هذه الآونة في المنطقة، للتراجع خطوة للوراء لصالح أنقرة.
قشة تقصم ظهر التقارب
بعد أن أسقطت ثورة 30 يونيو حكم الإخوان في مصر، وعزل الجيش لمرسي عقب احتجاجات مناهضة لحكم الإخوان اجتاحت البلاد، دخلت العلاقات مع تركيا أسوأ مراحلها.
وهنا تخطت ردة الفعل التركية حدود اللباقة الدبلوماسية -كما لاحظ المتابعون-، فلم تعتبر أنقرة الخطوة شأنا داخليا، وهاجمت المجلس العسكري الحاكم، واحتضنت قادة تنظيم الإخوان وقدمت كل أنواع الدعم للمتآمرين على الأمن القومي المصري.
وانتقدت حكومة أردوغان بشدة إطاحة ثوار يونيو بمرسي، وتغاضت عن الملايين من المصريين الذي خرجوا في كافة أنحاء البلاد رفضا لممارسات الإخوان في الحكم وانفرادها بالسلطة وتعريض أمن وسيادة مصر للخطر.
في المقابل، خرجت في مصر دعوات إلى مقاطعة المنتجات التركية، ردا على سلوك أنقرة، واستجابت السلطات الجديدة لرأي الشارع، وطردت السفير التركي في نوفمبر من نفس العام.
كما خفضت الخارجية المصرية مستوى التمثيل الدبلوماسي لتركيا في القاهرة إلى درجة "قائم بالأعمال".
كما استدعت تركيا سفيرها من القاهرة في نفس العام.
ومنذ أواخر عام 2013، عرفت العلاقات المصرية التركية شبه قطيعة، رغم استمرار علاقات اقتصادية في حدود مصالح البلدين.
خلافات الـ8 سنوات
تأييد تركيا للإخوان واحتضان قيادات التنظيم الإرهابي لم يكونا وحدهما محددي ملامح الخلاف مع القاهرة، فعلى مدى السنوات الثماني، كان التدخل التركي في المنطقة العربية بسوريا والعراق محلّ خلاف قوي بين أنقرة والقاهرة.
كما أن الخلاف الاستراتيجي حول شرق المتوسط، والأطماع التركية في غاز المنطقة، نقطة خلاف جوهرية بين مصر وتركيا، وكان توقيع القاهرة أواخر عام 2013 اتفاقا ثنائيا لترسيم الحدود مع قبرص ملحا على جرح العلاقات المتوترة بين البلدين.
الملف ذاته شهد تطورات متسارعة ففي فبراير من العام 2018، بدأت تركيا التخطيط عن الغاز في شرق البحر المتوسط، لترد مصر في مطلع العام الموالي بتدشين منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم عددا من دول المنطقة، بعد البدء في خطوات لترسيم الحدود بين الدول الأعضاء، توجت بالتوقيع مع اليونان في أغسطس/آب العام الماضي.
خطوط السيسي الحمراء
لكن تدخل تركيا العسكري في ليبيا، وإرسال قوات عسكرية لطربلس عام 2020 كان أكثر خطوة اعتبرتها مصر استفزازية تهدد أمنها القومي، وأعلنت بلا مواربة استعدادها لدخول ليبيا لإيقاف التوسع التركي في الدولة العربية المجاورة.
وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تصريح حازم استعداد القاهرة للتصدي لأي تجاوز في المنطقة، وحدد خطوطا حمراء سينفد عندها صبر القاهرة تبدأ من سرت والجفرة الليبيتين.
الحزم المصري والضغط الدولي والإقليمي أفضى إلى موافقة تركيا الداعمة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج على وقف إطلاق النار، الذي قاد إلى تسوية سياسية، وموافقة الفرقاء على تشكيل حكومة وحدة وطنية، ينتظر أن تشرف على انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر المقبل.
ومنذ أبريل الماضي، بدأت التصريحات التركية تجنح نحو التودد للجانب المصري، والإعلان عن الرغبة في طي صفحة الخلاف.
وردت مصر مرارا على أن التصريحات لا تكفي، مطالبة بأفعال لا أقوال، وكانت خطوة الجانب التركي بتوقيف القنوات ووسائل الإعلام التي تهاجم القاهرة أول خطوة جادة في هذا الاتجاه.
وتوجت التصريحات التركية التي وردت على ألسنة جميع المسؤولين بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان بإرسال وفد تركي إلى القاهرة وصل أمس الثلاثاء.
وتبدأ اليوم الأربعاء في القاهرة محادثات حاسمة بين مسؤولين كبار في وزارتي خارجية البلدين لبحث تطبيع العلاقات، فهل تنهي خلاف السنوات الثماني بين البلدين؟