مصر وتركيا في 2023.. «حقبة جديدة» عززتها القمم الثنائية
غلف الدفء العلاقات المصرية التركية في 2023، متوجا مسارا من التقارب بدأ قبل عامين، وقفز بالتنسيق بين البلدين إلى مستوى القمم الثنائية.
واكتسب مسار التفاهم والتقارب بين مصر وتركيا دفعة كبيرة في عام 2023، إذ حدثت خطوات كبيرة نحو تطبيع العلاقات بينهما بشكل كامل، بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء.
مسار تفاهم أكد خبراء من مصر وتركيا في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، أنه سوف "يمضي قدما نحو مزيد من التنسيق وتقليل مساحة الخلاف في الملفات الشائكة بين البلدين، والوصول لتفاهمات دون صدام، وتعزيز أيضا التعاون المشترك لا سيما في الجوانب الاقتصادية والتجارية".
وتوقع هؤلاء الخبراء أن "يتوج مسار التقارب وإعادة العلاقات لطبيعتها بين القاهرة وأنقرة بزيارة الرئيس التركي لمصر في وقت قريب جدا".
وخلال عام 2023، عقد الرئيسان المصري، عبدالفتاح السيسي، والتركي، رجب طيب أردوغان، قمتين ثنائيتين، الأولى على هامش قمة العشرين بالهند في سبتمبر/أيلول الماضي، والثانية على هامش القمة العربية الإسلامية في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأمس الأربعاء، تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من نظيره التركي رجب طيب أردوغان للتهنئة بإعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة".
ومن جانبه، ثمن الرئيس المصري "هذه اللفتة الطيبة"، كما تناول الاتصال سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وزيادة مجالات التعاون بما يحقق مصالح الشعبين، بالإضافة إلى التباحث حول تطورات المشهد الإقليمي، وخاصةً جهود وقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية في قطاع غزة.
عودة الدفء
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن عنوان العلاقات المصرية - التركية في 2023، كان "عودة الدفء للعلاقات، وإتمام المصالحة بينهما".
ويوضح عبد الفتاح أن "العلاقة بين البلدين في 2023، بدأت في التحول من مرحلة المناكفات إلى العودة لفترة التفاهم والتصالح، التي كانت سائدة قبل عام 2013"، متابعا "المرحلة الحالية عنوانها التفاهم للوصول إلى حلول وسط دون صدام، وإدارة المنافسة بشكل يحقق مصالح الطرفين".
وفي هذا الصدد، يشير الخبير السياسي المصري، إلى أن حرب غزة وإغاثة المصابين والجرحى الفلسطينيين، "عززت مساحة التنسيق والتعاون المشترك بين الدولتين، على غرار ما أحدثه الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير/شباط الماضي، في زيادة مساحات التقارب".
وأردف "البلدان لديهما الرغبة في أن يكون لهما دور في رسم مستقبل المنطقة، بعيدا عن التدخلات الخارجية".
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أجرى اتصالا هاتفيا بنظيره التركي عقب زلزال فبراير/شباط الماضي أعرب خلاله عن تضامن مصر مع تركيا في مصابها الأليم.
وعقب الزلزال، تبادل وزيرا خارجية البلدين سامح شكري ومولود جاويش أوغلو (في ذلك الوقت) الزيارات، ولعب التضامن المصري مع تركيا الذي شمل إرسال مساعدات، دورا كبيرا في دفع عملية التقارب قدما إلى الأمام.
ويستشرف الخبير بمركز الأهرام بالقاهرة، مستقبل العلاقات في 2024، قائلا إن "العلاقات بين القاهرة وأنقرة تمضي نحو مزيد من التنسيق والتقارب، ووجود رغبة في التفاهم".
وبحسب عبد الفتاح فإن هذا التقارب سيتوج في العام الجديد، بزيارة للرئيس التركي إلى مصر، بعد حسم السيسي الفوز بولاية جديدة، وفقا لمؤشرات أولية لنتائج انتخابات الرئاسة.
بل يتوقع الخبير بالأهرام أن يكون أردوغان من أوائل قادة وزعماء العالم الذين يزورون مصر لتهنئة السيسي وبحث تعزيز العلاقات بين البلدين.
يشار إلى أن سفير تركيا لدى مصر، صالح موطلو شن، أكد خلال حفل ذكرى تأسيس الجمهورية التركية، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن زيارة الرئيس التركي إلى مصر، مدرجة على جدول الأعمال.
وأكد أن هذه الزيارة التاريخية ستتناول جميع جوانب العلاقات الثنائية كما أنها ستوفر إمكانية التشاور بشأن القضية الفلسطينية والتي يتشارك البلدان نفس الموقف تجاهها، وفقا لما نقلته وسائل إعلام محلية.
كما أكد وزير الخارجية التركي السابق، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري خلال زيارته للقاهرة في أبريل/نيسان الماضي: "نخطط لعقد قمة على مستوى رئيسي تركيا ومصر، وبحثنا التحضيرات لهذه القمة خلال اجتماعنا مع وزير الخارجية".
لكن بشير عبد الفتاح عاد ليؤكد أن "الأمور لن تسير بسلاسة وبشكل طبيعي بشكل كامل، حيث تظل المنافسة موجودة، وأحيانا المصالحة المتعارضة "، موضحا: "هناك تفاهمات في قضايا عديدة كالوضع في شرق المتوسط لكن مجرد وجود الرغبة في التفاهم يساعد على تجنب الصدام".
رهان العلاقات الاقتصادية
وبسؤاله عن الملفات والقضايا التي ستكون محل تفاهم خلال الفترة المقبلة بين البلدين، أجاب "أكبر انطلاقة ستشهدها العلاقات ستكون على الصعيد الاقتصادي، وتطوير الأداء الاقتصادي بين البلدين، خاصة وأن هناك فرص واعدة متعددة في الطاقة وغيرها".
وتابع "الاقتصاد سيكون أسرع ملف في التفاهمات، ورغم أنه لم يكن مجمدا في ظل توتر العلاقات، لكن وتيرته لم تكن بالمستوى الذي يتمناه البلدين؛ لتأثره بخلافات سياسية واستراتيجية".
ملفات خلافية
عبدالفتاح قال أيضا "حتى أن القضايا الخلافية، وهي ملفات ليبيا وسوريا والعراق والسودان، ستدخل في تفاهمات وحوارات عبر لجان فنية مختصة، تستطيع إدارة الأمور بالكفاءة المطلوبة طالما أن هناك نية ورغبة جادة في تجاوز الخلافات من أجل تعظيم فرص التعاون التي تعود بالنفع على الطرفين".
بدوره، أكد الدكتور طه عودة أوغلو الخبير السياسي التركي في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن العام المقبل سيكون حافلا بالكثير من التطورات وخاصة في العلاقات التركية المصرية التي وصلت إلى مرحلة متقدمة.
وينبه إلى أن "القاسم المشترك حاليا بين البلدين هو موضوع غزة، وإيجاد حلول لوقف إطلاق النار، وسيكون هناك تعاون تركي مصري في هذا الإطار، إضافة إلى التنسيق في قضايا مختلفة في الإقليم كالوضع في ليبيا".
ووفقا لطه عودة أوغلو فإن الجانب الأبرز في تعزيز مسار العلاقات التركية المصرية خلال العام المقبل، "يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز العلاقات ما بين الطرفين، والتنسيق في الكثير من الملفات الإقليمية الشائكة في ظل تعقيدات المشهد الإقليم الحالي بداية من حرب غزة، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتداعياتها الاقتصادية على الغاز والطاقة".
وإزاء ذلك، يرى عودة أوغلو أن العام المقبل سيكون عاما تركيا مصريا بامتياز، وستكون الأشهر المقبلة حافلة بالتطورات التي سيعمل عليها كلا البلدين.
وعلى غرار توقعات بشير عبد الفتاح بشأن زيارة أردوغان المرتقبة لمصر، يرجح عودة أوغلو، أن "يكون موعد الزيارة قريب جدا، بعد انقشاع غبار الحرب في غزة".
وبدوره، يقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث لـ"العين الإخبارية"، "الملاحظ في العلاقات التركية – المصرية خلال عام 2023، هو سرعة عودة الدفء في العلاقات بشكل كبير".
رضوان يرجع ذلك إلى أن "دبلوماسية الزلازل كان لها دور مميز وواضح في تسريع وتيرة التقارب، إضافة إلى بعض الوساطات من دول قطر والمملكة العربية السعودية".
كما ينوه إلى أن "العلاقات التركية المصرية ستتطور بشكل كبير، والحرب في غزة سيكون لها دور كبير في تطبيع العلاقة بشكل أفضل من ذي قبل بالنسبة لتركيا ومصر".
ولم يفته التأكيد أن "عودة العلاقات بين قطبين كبيرين في المنطقة تسهم بلا شك في تعظيم المصالح المشتركة بينهما".
وشهد عام 2023 خطوات ملموسة في سبيل التقارب وإعادة العلاقات لطبيعتها بين القاهرة وأنقرة.
ففي مايو/أيار الماضي، لم يكد يمر وقت كبير على فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة، حتى تم الإعلان، بعد اتصال هاتفي بين الأخير، وبين السيسي، عن رفع مستوى العلاقات مرة أخرى بين البلدين إلى مستوى تبادل السفراء، بعد نحو عشرة أعوام من الجفاء، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية.
وهو ما تبعه إعلان مصر وتركيا في يوليو/تموز الماضي، إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء. وقالت وزارتا الخارجية المصرية والتركية إن البلدين تبادلا سفيرين لأول مرة منذ عشر سنوات لإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها.
وبدأت مشاورات التطبيع بين كبار مسؤولي وزارتي الخارجية في أنقرة والقاهرة في عام 2021، مع سعي تركيا إلى تحسين العلاقات مع مصر ودولة الإمارات وإسرائيل والسعودية.
لكن وتيرة العودة إلى الوضع الدبلوماسي الطبيعي بين أنقرة والقاهرة تسارعت، بعدما تصافح الرئيس المصري ونظيره التركي في الدوحة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
aXA6IDMuMTQ3Ljc2LjE4MyA=
جزيرة ام اند امز