الزغرودة في وداع الميت.. أبدعتها المصرية وأحيتها الفلسطينية
"زغاريد في الجنازة".. وكأن الذي يطلقها يحارب شعور اليأس بداخله ويكسره بقوة، وينتصر ويعيش فرحة زف شهيد إلى عالم أفضل
"زغاريد في الجنازة".. وكأن الذي يطلقها يحارب شعور اليأس بداخله ويكسره بقوة، وينتصر ويعيش فرحة زف شهيد إلى عالم أفضل، فما أعظم الأثر النفسي الذي يتركه هذا المشهد في نفس المودع الذي فقد أغلى ما عنده، ليثبت في قرارة نفسه أنه الآن في مكان أفضل يستحق الفرح لا النحيب والدموع.
لم يكن مشهد توديع ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية الأول الذي يُزف فيه الراحلون إلى حياتهم الأخرى على أنغام الموسيقى ومظاهر الفرح المخلوط بالدموع، فالزغاريد تعلو في ربو مصر مع سقوط كل شهيد.
هذه العادة اتبعتها مصر القديمة وابتدعتها على وجه التحديد الأسرة الثانية قبل الميلاد بـ3200 سنة وفقا لعالم المصريات مصري الجنسية وسيم السيسي.
ويقول وسيم لـ"العين" إن قدماء المصريين أول من عرفوا النوتة الموسيقية، واستخدموها في توديع العظماء، فالقوانين في مصر القديمة كانت تلزم الملك الذي يأمر بالحرب أن يكون هو نفسه في أول صفوفها، ولعل أشهر من تم توديعهم بالموسيقى الجنائزية والرقص الجنائزي والزغاريد الملك "سقنن رع الثاني" من ملوك الأسرة الـ17، و رحل في حربه لتحرير مصر من الهكسوس، و لحق به ابنه، وباعتبارهما من العظماء وشهداء الحرب، وودعتهما مصر بالزغاريد والطبول والموسيقى والرقص الجنائزي.
وأكد "السيسي" أن مصر القديمة تعيش في نفوس المصريين حتى اليوم، و توديع الشهداء بالأفراح أمر أصيل في "مصر القديمة"، ونراه اليوم في جنازات ضباط الجيش والشرطة، وشهداء الإرهاب، فغالبا ما يودعهم ذويهم بالزغاريد و الدموع في آن واحد.
فلسطين
الأمر لم يتوقف عند مصر فحسب، وباعتبارها قطرا عربيا اعتاد سقوط الشهداء من أبنائه يُمارس فيها الطقس نفسه بشكل عفوي، وكأن دماء الشهداء هي التي تأمر وتجبر الباقين على وجه الحياة تكريمهم وزفهم إلى السماء بالطريقة التي تليق بهم.
فلسطين أيضا تودع شهداءها بالزغاريد، وكيف لا وهي من الدول التي تقدم الشهداء "على مدار الساعة" منذ خيم عليها الاحتلال؟
وفي هذا السياق، يقول المثقف والمناضل الفلسطيني عبد القادر ياسين لـ"العين"، إن عادة توديع الشهداء بالفرحة والزغاريد ارتقت إلى "ظاهرة" في فلسطين بالتزامن مع الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر/كانون أول عام 1987، بينما كانت قبل هذا التاريخ تشيع الجنائز على هذه الطريقة بشكل متقطع عند سقوط أحد أفراد المقاومة الفلسطينية.
وأكد "ياسين" أن هذه الطريقة تقول بها أمهات الشهداء أنهن "استرخصن" أرواح أبنائهن في سبيل الله والوطن، و تؤمن تماما بأن مصير الشهيد الجنة، وبالتالي تهدأ نفسها من جانب وتعبئ الوطنيين نحو الاستشهاد في سبيل تحرير الوطن فلسطين.
aXA6IDUyLjE0Ljg4LjEzNyA= جزيرة ام اند امز