المريض المصري يبحث عن 1600 دواء

بينما لا تزال أزمة المواطن المصري مستمرة مع 1600 دواء ناقص، تتجه وزرة الصحة لرفع سعر الدواء، كوسيلة لعلاج المشكلة.
بينما يعاني المواطن المصري هذه الأيام من اختفاء بعض الأدوية من الصيدليات، تردد في الساعات الأخيرة أنباء حول اتجاه وزارة الصحة المصرية لزيادة أسعار الأدوية ضمن "تحرك جديد للأسعار" ، قيل إن الهدف منه تقليل خسائر شركات الأدوية، بعد تعويم الجنيه.
فهل يكون هذا التحريك الجديد للأسعار حلا للمشكلة؟ ليجد المواطن المصري الدواء.. وإن كان بسعر أغلى، أم أن هذا الإجراء لن يكون له مردود وستظل المشكلة قائمة.
الدكتور محيي عبيد، نقيب صيادلة مصر، يرفض قرار تحريك السعر، وقال إنه إذا استقرت وزارة الصحة على رفع أسعار الأدوية بداية من يناير 2017، فإنها ستكون بذلك ساعدت في إعطاء شركات الأدوية حق قتل المواطن المصري بسبب ارتفاع أسعار الأدوية المتاحة من جانب، واستمرار "النواقص" من جانب آخر.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ"العين"، أن وزير الصحة لم يناقش القرار مع نقابة الصيادلة المعنية، وفقا للقانون والدستور، بوضع السياسة الدوائية في مصر، ويكتفي بمناقشة الأمر في الغرف المغلقة مع منتجي ومصنعي الأدوية، الذين يتعاملون مع صحة المصريين بمنطق "البيزنس" والمكسب والخسارة فقط، دون مراعاة البعد الإنساني، وذلك لأنهم في المقام الأول مجموعة من "المستثمرين" في مجال الدواء.
وأشار إلى أن النقابة بصدد تقديم شكوى لرئاسة الجمهورية تتهم فيها وزير الصحة بتربيح الشركات على حساب صحة المواطن المصري.
ولفت إلى أنه من حق وزارة الصحة سحب ترخيص الصنف الناقص من كل مصنع أدوية يتوقف عن إنتاجه لمدة عام كامل، إلا أن هذا القانون لا يطبق، وهذا سبب استمرار أزمة النواقص.
وعن السبب الجوهري لاستمرار أزمة الأدوية الناقصة حتى في حال رفع أسعار الأدوية، قال الدكتور أحمد فاروق، صيدلي وعضو النقابة العام، لـ"العين"، إن وزارة الصحة أعطت الشركات المصنعة والمنتجة حق اختيار الأصناف التي توقع عليها زيادة الأسعار، والعقلية الاستثمارية التي تعمل بها هذه الجهات، تقودها لزيادة أسعار الأدوية التي تحقق لها مكاسب، وهي ما تحرص على إنتاجها في الأساس، بينما يمتنع عن إضافة زيادات للأدوية التي "تخسر" بمنطقهم الاقتصادي، وتظل أزمة النواقص قائمة لعدم وضع ضوابط لعملية إعادة تسعير الأدوية.
1600 دواء ناقص
من جانبه قال الدكتور صبري الطويلة، رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة، إنه خلال أقل من 5 أشهر زادت كمية الأدوية الناقصة بحوالي الضعفين، فبعد أن كانت لا تتجاوز الـ500 صنف، مايو الماضي، باتت تسجل الآن حوالي 1600 صنف دواء.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ"العين"، أن الأزمة ستزيد طالما استمرت وزارة الصحة في اتخاذ قرارات رفع أسعار الأدوية بشكل عشوائي، فضلا على عدم اتخاذها إجراءات قانونية حاسمة ضد شركات الأدوية التي تمتنع عن إنتاج هذه النواقص لأسباب اقتصادية بحتة.
وأوضح أن شركات الأدوية في حقيقة الأمر "لا تخسر"، بل تدعي الخسارة في إنتاج بعض الأدوية، ومن ثم لا تنتجها، بينما واقع الأمر أنها تخسر في "هامش الربح" الخاص بهذه الأدوية فقط، وعلى الرغم من أن الوزارة دعمتهم من قبل بتحريك الأسعار أول مرة بمايو الماضي، إلا أنها ما زالت ممتنعة عن إنتاج النواقص حتى أدى إلى تضخم الأزمة، وفي الوقت ذاته لم تتخذ الوزارة والدولة ضدها موقفا واضحا، وكان ينتظر تطبيق القانون بسحب تراخيص الأصناف الناقصة من الشركات التي جاوزت العام دون إنتاج هذه الأصناف.
وشدد على ضرورة فرض رقابة صارمة عل منظومة الأدوية بدءا من التصنيع إلى التوزيع، للسيطرة على أزمة النواقص، وتطبيق القانون على المخالفين، وإلا ستكون وزارة الصحة فاشلة ولا تستطيع إدارة ملف صناعة الدواء.
مصانع خارج الصندوق
ومن جانبه، قال الدكتور محمد أشرف، نائب رئيس شعبة تجارة الأدوية، إنه حتى هذه اللحظة لم تتخذ وزارة الصحة قرارا برفع أسعار الأدوية بدءا من يناير أو فبراير مطلع العام المقبل 2017، وإنما طلبت الوزارة "إعادة دراسة تسعير الأدوية"، كمحاولة ضمن خطة علاج تشوهات تسعير الدواء التي تراكمت عبر عدة عقود، لافتا إلى أن هذه الدراسة تعني أن أدوية سيزيد ثمنها وأخرى سيقل وثالثة يظل ثمنها في حال ثبات.
وأكد، في تصريح خاص لـ"العين"، أن احتكار مجموعة من الشركات المصنعة للأدوية في مصر وراء أزمة النواقص التي لن يحلها زيادة أسعار أو غير ذلك، وقال "كل ما نطلبه من وزير الصحة أن يفتح الباب لدعم الكيانات الجديدة وإدخال لاعبين جدد أو منتجين جدد للأدوية خارج الصندوق، أي خارج الدائرة التي عرفت باحتكارها لهذه الصناعة التي لها بعد إنساني عميق".
وأشار إلى أن وزير الصحة عندما يناقش أزمات الأدوية لا يلتقي إلا بغرفة صناعة الدواء التي تضم المحتكرين، مؤكدا ضرورة أن يوسع الدائرة ويدخل إلى السوق وجوها جديدة، وفي هذا الإطار لديه 200 مصنع "تحت الإنشاء"، وحوالي 120 مصنعا جديدا حاصلا كلها على رخص إنتاج الأدوية، والمطلوب من الحكومة دعم هذه العناصر الجديدة للسيطرة على احتكار الأدوية وللبدء فورا في تصنيع وإنتاج الأدوية الناقصة.
وقال: لا غضاضة في أن يلتقي الوزير بالنماذج الجديدة ربما تحل الأزمة، وليقتدي في هذا برئيس الجمهورية الذي يلتقي شهريا بالشباب بنفسه للتواصل معهم، واكتشاف حلول جديدة لأزمات المجتمع".
"منقذات الحياة"
ويختلف الدكتور محمد البهي، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية، مع الآراء السابقة، مؤكدا أن قرار رفع أسعار الأدوية بدءا من يناير القادم إذا تم تطبيقه، فبنسبة كبيرة ستحل أزمة الأدوية الناقصة الخاصة بالأمراض المزمنة، والتي تتعلق بحياة المريض بشكل مباشر وتسمى "منقذات الحياة"، وفي الأغلب هي الأدوية التي لا بديل لها داخل مصر.
وأوضح أن شركات الأدوية توقفت عن استيراد هذا النوع من الدواء الأشهر الماضية بسبب الأزمة الكبيرة التي شهتدها سوق العملة في مصر، وما زال يعاني منها، حيث قارب سعر صرف الجنيه 19 أمام الدولار الواحد، وهو ما أجبر الشركات على وقف الاستيراد حتى لا تتكبد خسائر، بينما ستحل الأزمة تدريجيا بزيادة أسعار الأدوية؟
توفير 150 صنفا
وفي السياق نفسه، أضاف الدكتور أسامة رستم، النائب الثاني لرئيس غرفة صناعة الأدوية، أن شركات استيراد وصناعة الأدوية ستتحمل قدرا من فروق أسعار الأدوية قبل وبعد تعويم الجنيه، لتقضي تماما على السوق السوداء التي ظهرت في الأشهر القليلة الماضية وتسببت في رفع أسعار بعض الأدوية الناقصة بنسبة كبيرة، فالدواء الذي يسجل سعره الرسمي 200 جنيه، يباع في السوق الموازية بـ1400 جنيه، وقرار رفع الأسعار بات ضروريا لتوفير هذه الأدوية التي تستغل السوق السوداء نقصها.
وأوضح "رستم"، في تصريح خاص لـ"العين"، أنه بمجرد أن تصدر وزارة الصحة قرار الرفع، سيتم استيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع، واستيراد الأدوية التي لا بديل لها فورا ولا يتجاوز عددها الـ150 صنفا من أصل 1600، وسيتم حل أزمة الأدوية الناقصة بنسبة تقارب الـ100%، إذا أخذنا في الاعتبار أن باقي النواقص لها بديل مصري يمكن الاستعاضة به عن الدواء الأصلي.
وشدد على أن الفترة الماضية كانت بها صعوبات بالغة في توفير المادة الخام نظرا لفارق العملة قبل وبعد تعويم الجنيه، وهو ما تسبب في الأزمة وظهور السوق السوداء للدواء، إلا أن الانفراجة اقتربت جدا.
aXA6IDMuMTQ4LjI1MC4xMTAg
جزيرة ام اند امز