معادلة «إما هانوي وإما هونغ كونغ» لوصف أحوال مدن الشرق الأوسط العربي، والتي شهرها السياسي اللبناني وليد جنبلاط، ما عادت تفي بالغرض، كما أنها مضللة.
هانوي كفّت منذ زمن بعيد عن أن تكون رمزاً للآيديولوجيا والعنف والحرب في مقابل هونغ كونغ التي تبنت خيارات الاقتصاد الليبرالي والنمو والثراء.
فالزمن ليس زمن الحرب الباردة، وهانوي اليوم عاصمة فيتنام الموحدة وليست عاصمة فيتنام الشمالية تحت راية الحزب الشيوعي. وهي واحدة من أسرع المدن نمواً على مستوى الدخل القومي في العالم، وهي تحمل؛ للمفارقة، بين أسمائها الكثيرة، «باريس الشرق» بسبب الإرث الفرنسي، لا سيما العمراني، الباقي من حقبة الاستعمار الفرنسي لـ«الهند الصينية».
زاد حجم المدينة 3 مرات عام 2008 مع انضمام 3 ولايات و4 بلديات مجاورة لها، لتصبح هانوي الكبرى واحدة من أهم «المتروبولات» في آسيا. «مدينة الحرب» السابقة، صارت عام 1999 «مدينة السلام» بحسب توصيف اليونيسكو. ومقبرة المارينز باتت أسرع شريك تجاري لأميركا نمواً، بحجم تبادل تجاري تجاوز 77 مليار دولار عام 2019. وفي كثير من القطاعات حل «المصنع الفيتنامي» مكان «المصنع الصيني».
المعادلة الحقيقية في المنطقة، والتي من بينها يجب أن يختار الناس مصائرهم وأحوالهم هي: «إما دبي وإما الضاحية»! فحيث حلّت «رؤية الضاحية» حلّ الفقر والجوع وانهيار البنية التحتية والمرض والتخلف الثقافي وعمى الآيديولوجيا، وحيث حلت «رؤية دبي» حل الإعمار والنجاح والفرص.
في «محور الضاحية» تموت المدن وتتعفن. أبرز ضحايا هذا المحور بيروت، التي ما عادت تشبه نفسها في شيء، وبعدها بغداد ثم دمشق وصنعاء... وفي المبتدأ والخبر... طهران! كلها «ضاحية»، بمواصفات الضاحية المباشرة.
1- العزلة السياسية: هل يحتاج المرء لكثير من الأدلة على مستوى العزلة السياسية التي تعيشها البنى «الحاكمة» في «الضاحيات» الموزعة على طول المحور؟ أليست مفارقة مدهشة ذلك الترداد الببغائي لقادتها عن العلاقات الاستراتيجية مع فنزويلا، أو أوهام التوجه شرقاً، وآخرها عرض إيران بيع الجمهورية الإسلامية للصين بشروط؛ لم تُرضِ حتى محمود أحمدي نجاد؟!
قد تُستثنى بغداد، وهي تبدي منذ رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي مستوى مختلفاً من المقاومة السياسية لاسترداد المدينة من براثن «ثقافة الضاحية».
2- انهيار العملة: هل هي صدفة أن عملات «محور الضاحية» تعاني من انهيار متزامن؟ فقدت الليرة اللبنانية نحو 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار، في حين بات الريال الإيراني العملة الأقل قيمة بين العملات الوطنية في العالم. وفيما تواصل العملة السورية انهياراتها المتتالية، يصارع العراق لضبط سعر الصرف في ظل معدلات تضخم عالية في أسعار المواد الرئيسية وتكلفة الخدمات.
3- الاتكال على المعونات: صور طاولات المقبلات اللبنانية التي تتميز بأطباق افتتاحية ثرية وكثيرة؛ حلت محلها صور اللبنانيين وهم يتقاتلون على الأرز والزيت المدعومين، أو ينتظرون أخبار المعونات التي وصلت إلى حدود تسول حليب الأطفال من مصر. وفي العراق؛ كانت زيارة البابا فرنسيس فاضحة لحجم الفجوة التي ينبغي سدها في هذا البلد الغني! أما الجوع فهو صديق اليمنيين الذين ما عادت خطابات العزة والكرامة الحوثية تملأ أمعاءهم بالحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة. وفي سوريا يحتار المرء من أي رقم يبدأ للإشارة إلى مستوى الانهيار وشدة الحاجة. خلال 10 سنوات تقدر خسائر سوريا بـ107 تريليونات دولار؛ أي ما يتجاوز مجموع موازنة الاتحاد الأوروبي لعقد من الزمن... زد على ذلك خسائر مستقبلية مستمرة بنحو 104 تريليونات دولار حتى لو توقفت الحرب الآن!
4- التخلف الصحي: فضح وباء «كورونا» تخلف البنى التحتية في دول «محور الضاحية»، مقروناً بتخلف الإدارة (لبنان نموذجاً) والقدرة على ضبط الحيز العام ضمن رؤية استراتيجية لمواجهة الوباء. ولعل دول «محور الضاحية» أكثر الدول التي صدّرت إلى الخارج ثقافة الدين بمفهومه الخاطئ، إضافة إلى الغيب والسحر والشعوذة في التعاطي مع الوباء ورد الجائحة...
إننا أمام بحر من المعطيات بشأن مستوى التخلف الاقتصادي والثقافي والإنساني والصحي الذي يميز دول «محور الضاحية»، والتي لا رد لها على هذا القعر إلا خطابات الكرامة والعزة في ذروة ظروف الانسحاق الإنساني والبشري.
في مقابل الضاحية؛ دبي، مختصراً لتجربة الإمارات العربية المتحدة...
فعلت الدولة كل شيء لضمان انتعاش كامل لكل قطاعات الاقتصاد العام المقبل، وتحقيق نمو في الناتج القومي بنسبة 3.5 في المائة عام 2022، كما تستهدف العودة الكاملة إلى اقتصاد ما قبل جائحة «كورونا» عام 2023.
لا يكفي هنا القفز إلى حجة النفط، والقول إنه السبب الرئيسي وراء نجاح الإمارات، وحجب أسس النجاح السياسي والإداري وكفاءة القيادة. فنزويلا مثلاً، صاحبة أكبر احتياط نفطي في العالم، لكنها أيضاً صاحبة أرقام فلكية على مستوى التضخم!
كما أن الإمارات تسير بثبات للانتقال إلى ما بعد الاقتصاد النفطي، حيث إن حصة الأنشطة غير النفطية في اقتصاد الدولة العام الماضي تجاوزت 70 في المائة.
أهم ما في الإمارات أنها أبعد ما تكون عن الآيديولوجيا. يقول مسؤول إماراتي كبير لضيفه: «لن نسمح للمشكلات السياسية في المنطقة بأن تحرف نظرنا عن هدفنا الأساسي...». يسأل الضيف: «وما الهدف؟»، يقول بلا تردد: «أن نتجاوز حجم اقتصادنا الحالي بمرة ونصف خلال 5 سنوات، وأن نعطي الفرصة لولادة آلاف الأثرياء من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، وأن نستمر في تنويع الاقتصاد، والتأقلم مع تحديات التكنولوجيا والأوبئة، وأن نكون مساهمين رئيسيين لا متلقين لمنتجات التجربة البشرية في الخمسين سنة المقبلة».
حيثما حلت «رؤية دبي» مختصراً لتجربة الإمارات، حل الإعمار والنجاح والفرص، وحلت طاقة إلهام لا حدود لقوتها.
ها هي «نيوم» على ساحل البحر الأحمر شمال غربي المملكة العربية السعودية، حيث يمر نحو 10 في المائة من تجارة العالم، تتهيأ لتكون «المدينة الحلم»؛ فهي تربط 3 قارات بعضها ببعض، وتتيح لـ40 في المائة من سكان العالم الوصول إليها في أقل من 4 ساعات، مع كل ما يعنيه ذلك من تغيير على مستوى أفكار السكن والتجارة وحركة مراكز الأعمال...
وها هي مصر تعمل على إنشاء 20 مدينة جديدة في مختلف أنحاء البلاد، لاستيعاب نحو 30 مليون نسمة وفق قواعد ما تعرف بـ«مدن الجيل الرابع». تتسع العاصمة الجديدة لمصر، لـ6.5 مليون مواطن، وتبلغ مساحتها مساحة دولة سنغافورة ونحو 4 أضعاف العاصمة الأميركية واشنطن.
اختاروا... إما الضاحية وإما دبي.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة