مباراة حامية.. ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حملات الانتخابات الأمريكية 2024؟
هل يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تحديد الفائز في الانتخابات الأمريكية 2024؟ ليس مجرد سؤال ساخر أو به مبالغة.
فبنقرة واحدة عبر محرك البحث غوغل، على سبيل المثال، ستجد مئات المواد التي تتطرق للإجابة عن هذا السؤال بصيغه ومشتقاته المختلفة، ما يعني أن الأمر بلغ مرحلة شديدة الخطر بالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على سير الانتخابات.
وفي انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024, تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة شرسة بين حملة الرئيس الحالي جو بايدن، في مواجهة غريمه المرشح والرئيس السابق دونالد ترامب.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حملات الانتخابات الأمريكية 2024
وقد دقت الاضطرابات التي أعقبت انتخابات الرئاسة 2020 جرس الإنذار الأول بشأن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف كانت الأداة الرئيسية لدى الجمهوريين على وجه التحديد في بث أنباء تزوير الانتخابات، التي تشكل دافعا رئيسيا للتصويت لترامب في الاستحقاق المقبل.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة "فيسبوك"، صاحبة دور محوري في الانتخابات الرئاسية 2016، لدرجة أنه بعد إعلان النتائج وفوز دونالد ترامب، أشاد مارك زوكربيرج بتأثير شركته "فيسبوك" في السياسة، وقدرة المنصة في تسهيل التواصل بين المرشحين والناخبين.
وهذا التأثير امتد إلى انتخابات 2020، ويتواصل بشكل أقوى خلال انتخابات 2024، لكن الحاجة إلى المنصات الرقمية الأخرى غير فيسبوك ستتضاعف، مع إعلان الأخيرة في فبراير/شباط تقليص الوصول إلى المحتويات السياسية، وفق تحليل نشر مؤخرا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وتشير الصحيفة إلى أن الرئيس الحالي جو بايدن يدرك ذلك ويواجه الأمر عبر النشر بشكل متكرر على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي – بما في ذلك الصفحات الرسمية للبيت الأبيض – لتعزيز المشاركة في الانتخابات المقبلة لمصلحته.
وفي علامة على اهتمام المتنافسين الاثنين بمواقع التواصل الاجتماعي، وجد تحليل أن منشورات فيسبوك المرتبطة ببايدن زادت من حوالي 300 في مارس 2020 إلى أكثر من 600 في مارس 2024، في حين انخفضت منشورات ترامب من أكثر من 1000 في مارس 2020 إلى حوالي 200 في مارس 2024، كون الأخير لجأ إلى شبكته الخاصة تروث سوشال.
ويعتبر فريق ترامب تحركات ميتا أو فيسبوك في تقليص الوصول إلى المحتوى السياسي بمنزلة محاولة لترجيح كفة الميزان لحساب بايدن، وفي الوقت نفسه، بدأت حملة الأخير فعلا تحويل تركيزها عبر الإنترنت، حيث طرحت كادرا من المؤثرين والمتطوعين، لنشر رسائلهم عبر المساحات الخاصة على الشبكات الاجتماعية الأخرى.
الأخبار المضللة والذكاء الاصطناعي
عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، هنا يظهر أثر الإشاعات والأخبار الزائفة في الانتخابات الأمريكية، إذ أن احتمال قيام السياسيين ومؤيديهم باستخدام تلك الوسائل سلاح لنشر المعلومات المضللة مرتفع، وفق تحليل سابق نشر عبر موقع صحيفة الغارديان البريطانية.
على سبيل المثال، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الاعتقاد أن انتخابات 2020 سُرقت قد تزايد فعلا، حيث قال أكثر من ثلث الأمريكيين إنهم لا يعتقدون أن جو بايدن فاز بشكل شرعي بالرئاسة، وخذا الأمر يعني أن هؤلاء سيصوتون لمصلحة ترامب في نوفمبر/تشرين الأول.
أمام ذلك، قامت بعض الشركات، بما في ذلك Meta وYouTube ، بتغيير سياساتها للحيلولة دون نشر ما تعتبره معلومات مضللة عن الانتخابات لعام 2020، في حين حاولت شركة TikTok، الخاضعة للتدقيق من قبل الحكومة الأمريكية، الابتعاد عن المحتوى السياسي لصالح الترفيه.
فيما تم تصميم بعض المنصات الأصغر حجما، مثل Trump's Social وTelegram، خصوصا لتجنب أي رقابة على المحتوى، مما يسمح للشائعات بالتفاقم والانتقال في النهاية إلى وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة على نطاق أوسع.
وقد تؤدي أدوات الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم مشكلة المحتوى المضلل أيضا، وبالفعل، ظهرت تلك المخاوف من خلال مكالمة صوتية مزيفة يُزعم أنها لجو بايدن يطلب من ناخبي نيو هامبشاير البقاء في منازلهم، وفق الغارديان.
وتعكس تلك المكالمة قدرة الذكاء الاصطناعي على تغذية المعلومات السياسية المضللة، ولهذا أعلنت لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) عن حظر استخدام الأصوات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في المكالمات الآلية، وذلك في 8 فبراير/شباط، لمواجهة مثل هذه الأمور.
ورأينا كيف ظهرت صور باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لاعتقال الرئيس السابق ترامب، وظهرت أيضا صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لبايدن وهو يرتدي الزي العسكري.
وقد أثارت مثل تلك الصور مخاوف من قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تعطيل الانتخابات، وفق ديفيد ريان بولجار، مؤسس ورئيس منظمة All Tech is Human غير الربحية، معتبرا أن هذا يظهر الأدوار الكبيرة التي تلعبها تلك المنصات في الحياة اليومية، داعيا إلى ضرورة وجود تشريع يتعامل مع تلك الإشكالية.
فلسفة منصة "إكس"
منصة "إكس" (تويتر سابقا)، وأمام الاحتجاجات على نتائج انتخابات 2020 من قبل أنصار ترامب واستخدامهم تلك المنصة لحشد الأنصار، خاصة الرئيس السابق الذي كان تويتر أداته الرئيسية، لجأت إلى فرض قيود كبيرة على المنشورات السياسية، لدرجة حظر حساب ترامب نفسه.
لكن يبدو أن المنصة قد غيرت فلسفتها بالكامل في عهد إيلون ماسك، فتم إزاحة الموظفين الذين يراقبون سلامة المحتوى من الشركة، وتركت مسألة التدقيق لملاحظات المجتمع، حيث يمكن للقراء إضافة سياق أو ادعاءات متنافسة، بدلا من التحقق الرسمي من قبل المنصة، كما أعاد ماسك مجموعات من الحسابات المحظورة سابقا، التي تم حذف بعضها لنشر معلومات مضللة حول الانتخابات.
ولهذا يقول تشيستر ويسنيوسكي خبير أمن المعلومات الأمريكي إن احتمال قيام X بتسريع المعلومات الخاطئة سيكون أكبر في انتخابات عام 2024، طالما أنه لم يتم وضع بعض حواجز الحماية الخاصة من المعلومات المضللة.
ويرى البعض أنه في العام الجاري، لن تكون الإشكالية في نقل المعلومات الخاطئة دون قيود فحسب، بل سيكون من الصعب على الباحثين تتبعها والإبلاغ عنها.
وإذا كان تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ظهر بوضوح في انتخابات 2016 و2020، فإن انتخابات 2024 هي الاستحقاق الذي سيظهر فيه بشكل كبير تأثير الذكاء الاصطناعي في تلك المنصات، وفق أندريه تيسي من المركز الأوروبي لبحوث السياسات الاقتصادية.
ويرى، في تقرير لموقع فيرديكت البريطاني، أن ما يميز الدورة الانتخابية الأمريكية القادمة، هو قدرة الذكاء الاصطناعي على الانخراط في الاستهداف الدقيق للناخبين، وإذا تم التمكن حرفا من معرفة من هم الناخبين المتأرجحين، سيصبح من السهل إقناعهم.
تأثير الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأمريكية 2024
وستكون هناك معركة أخرى متعلقة بالإنفاق على الإعلانات السياسية التي تنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ يتوقع أن يتضاعف الإنفاق على الإعلانات السياسية على وسائل التواصل الاجتماعي تقريبا من 324 مليون دولار في عام 2020، إلى 605 ملايين دولار في عام 2024، وفقا لتقديرات إحدى شركة التحليلات الرقمية.
ويشير إحصاء لموقع "ساتيستا" الأمريكي إلى أنه من المتوقع أن يصل الإنفاق على الإعلانات السياسية في الولايات المتحدة إلى 10.2 مليار دولار أمريكي هذا العام، على نحو يظهر أهمية الإعلانات السياسية بالنسبة للمرشحين الرئاسيين.
الحملات الانتخابية
وبشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حملات الانتخابات الأمريكية 2024، يظهر ذلك في تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية، الذي يضرب مثالا بحملة بايدن، إذ تعمل على جذب الناخبين الشباب، لا سيما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيته ضعيفة بينهم.
ولهذا فإن حملة بايدن تعمل على جذب المؤثرين وصناع المحتوى من الشباب عبر منصات التواصل لجذب مزيد من الأصوات بين الناخبين صغار السن، إذ يتوقع أن يلعب هؤلاء دورا مهما في نتائج الانتخابات المقبلة، حيث يتوقع أن يشكل جيل الألفية الجديدة نصف الناخبين.
إن أثر منصات التواصل الاجتماعي على سلوك الناخبين في الولايات المتحدة، يتضح كذلك في تقرير آخر لمجلة نيوزويك الأمريكية، التي قالت إن حملة بايدن كثفت نشاطها بشكل كبير عبر موقع تيك توك، من أجل ترميم صفوف قاعدته الانتخابية، في الوقت الذي يجد ترامب، في المقابل، دعما كبيرا له عبر تلك المنصات، ولهذا فإن رواد تلك المنصة أصبحوا هدفا للاسترضاء من قبل المرشحين الاثنين.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg جزيرة ام اند امز