نتنياهو.. البحث عن البقاء عبر القانون والانتخابات
المشهد السياسي الإسرائيلي يزدحم بالتفاعلات على كل صعيد منذ توجيه لائحة اتهام رسمية ضد نتنياهو.
على طريقة أفلام "روكي" الهوليودية، يخوض رئيس وزراء حكومة تسيير أعمال الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراعه من أجل البقاء، أو البراءة من التهم المنسوبة إليه، التي من بينها الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في القضايا المعروفة 1000 و2000 و4000.
ووجهت بموجب هذه القضايا لائحة اتهام رسمية لنتنياهو منذ عدة أسابيع، التي قد يتمكن من عقد صفقة مع النيابة العامة الإسرائيلية، بموجبها يعتزل الحياة السياسية مقابل العفو عنه وعدم دخوله السجن.
وحمل هذا التشابه بين بطل أفلام "روكي" وبين رئيس وزراء تسيير الأعمال، فارقاً لا يخفى على أحد، فالأول رغم أنه كان مثخناً بالجراح واللكمات في كل جانب، قد حالفه الفوز؛ في حين أن حالة الثاني أي نتنياهو، يبدو النصر فيها غامضاً ومتعثراً ودونه عقبات كثيرة.
تفاعلات المشهد السياسي
ومنذ توجيه لائحة اتهام رسمية ضد نتنياهو، والمشهد السياسي الإسرائيلي يزدحم بالتفاعلات على كل صعيد، فالمعارضة الإسرائيلية بقيادة تحالف "أزرق أبيض" تطالبه بالاستقالة وأن يلتزم بما قاله دوماً، وإبان توجيه اتهامات لرئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت بأنه لزام عليه أن يقدم استقالته، بسبب التهم الموجهة إليه.
من ناحية أخرى ثمة قطاع كبير من الإسرائيليين خرجوا في مظاهرة تطالبه بالرحيل، بسبب الاتهامات الموجهة له، صحيح أن ثمة مظاهرات أخرى مؤيدة لنتنياهو طالبته بالبقاء، لكنها لم تكن بالزخم الذي شهدته المظاهرات المطالبة برحيله، فضلاً عن أن قيادات تكتل ليكود قد غابت عنها باستثناء قياديين اثنين منهما.
وعلى صعيد آخر، فإن حزب الليكود الذي ظل نتنياهو زعيماً له، دون منافس طيلة هذه السنوات، ولم يكن بحاجة إلى انتخابات تمهيدية للفوز برئاسته، قد انقسم بين مؤيد لنتنياهو ومعارض له، وعلى رأسهم جدعون ساعر، وهو يميني راديكالي يحظى بشعبية داخل الليكود.
ويرى جدعون ساعر أن دخول الانتخابات الثالثة وعلى رأس الحزب نتنياهو، لن يكون فى صالح اليمين، بل سيؤدي إلى فوز اليسار، ونتيجة هذا الانقسام قرر المجلس المركزي للحزب، الذي يضم 3000 عضو، إجراء انتخابات تمهيدية لرئاسة الليكود في السادس والعشرين من ديسمبر الحالي، لانتخاب رئيس الحزب والمفاضلة بين قيادة نتنياهو وقيادة منافسه وخليفته المحتمل "جدعون ساعر".
ولم يقف الأمر عن حد هذه التفاعلات السياسية سواء تعلق الأمر بالرأي العام والمظاهرات المؤيدة لبقائه والمعارضة لبقاء نتنياهو، والخلافات بين أعضاء معسكر نتنياهو والليكود، أو موقف المعارضة وخصوم نتنياهو.
بل تجاوز ذلك إلى تقديم طلبات التماس للمحكمة العليا من قبل بعض الجهات مثل "حركة جودة الحكم في إسرائيل" لإصدار المحكمة قرارا بإجبار نتنياهو على الاستقالة عن مناصبه الوزارية أو منصبه في رئاسة الوزراء.
استبق نتنياهو هذه التداعيات وصدور قرار من المحكمة العليا لإجباره على الاستقالة، وتقدم شخصياً بطلب لقبول استقالته من المناصب الوزارية الأربعة التي يشغلها حتى الآن، وهي وزارات: الصحة والزراعة والشتات والقادمين ووزارة الرفاه، وذلك بدءاً من مطلع شهر يناير عام 2020.
ويرى بعض المحللين أن رئيس وزراء تسيير الأعمال قد كسب نقطة في السباق القضائي والقانوني والسياسي الذي يخوضه منذ سنوات.
ويفرق القانون الإسرائيلي والسوابق القضائية الإسرائيلية بين وضع الوزير ووضع رئيس الوزراء، لدى تقديم لوائح اتهام، فالأول لا يستطيع الاستمرار في أداء مهامه ويلزم استقالته، هكذا أجبرت المحكمة العليا الإسرائيلية رئيس الحكومة الأسبق إسحق رابين بعزل اثنين من الوزراء في حكومته هما أريين درعي ورفائيل نبحاس، إثر تقديم لائحتي اتهام ضدهما بتهم جنائية.
أما الثاني أي رئيس الوزراء فيخول له القانون والسوابق القضائية الاستمرار في أداء مهامه في رئاسة الحكومة، بالرغم من تقديم لائحة اتهام ضده جنائية، وذلك حتى الحكم بإدانته، أي طوال إجراء التقاضي، وفي كل درجات التقاضي والمحاكمة، حتى صدور قرار إدانة بات وقاطع.
وفي هذه الحالة يمكن عزله بطريقتين الأولى قرار يتخذه الكنيست بأغلبية أعضائه بعزل رئيس الحكومة بعد حكم صادر ضده نهائي ويتضمن وصمة عار، أما الحالة الثانية بعد صدور حكم قضائي نهائي يدين رئيس الحكومة بارتكاب مخالفة جنائية.
بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الإسرائيلي يمنح رئيس الحكومة الحق في طلب الحصانة من الكنيست، من خلال اللجنة التي يشكلها لهذا الغرض، إذا ما كان الكنيست قائماً ولم يتم حله وخلال المهلة التي يحددها القانون بثلاثين يوماً من تاريخ تقديم لائحة الاتهام.
الفرص المتاحة أمام نتنياهو
هذه الإمكانيات القانونية والسوابق القضائية تنطوي على تفسيرات ورؤى مختلفة، وفق الظروف والسياق قد تدفع المحكمة العليا لاتخاذ قرارات جديدة تخالف هذه القواعد، إذا ما ارتأت ذلك.
والبعض يرى أن ما ينطبق على الوزير ينطبق على رئيس الحكومة من باب أولى، كما يرى البعض الآخر أن حالة الوزير تختلف عن حالة رئيس الوزراء، فالأول أي الوزير يمكنه استعادة منصبه بعد تبرئته، بينما أن رئيس الوزراء يستحيل عليه العودة إلى منصبه.
الأمر في حالة بنيامين نتنياهو، شديد التعقيد، فمن ناحية ليس بمقدوره الحصول على الحصانة؛ لأنه تم حل الكنيست وستجرى انتخابات ثالثة فى 2 مارس/آذار عام 2020، ومن ثم لا توجد لجنة للبت في طلب الحصانة.
كما أن نتنياهو ليس في نيته الاستقالة من منصبه كرئيس وزراء تسيير الأعمال، لأن هذه الاستقالة ستضعف موقفه ومركزه القانوني، ويحاول التعويل على عنصر الزمن أي إطالة أمد بقائه في منصبه، حتى موعد الانتخابات المقبلة للكنيست الثالثة والعشرين، وبعدها أي بعد إعلان نتائجها، وتكليف المرشح الفائز بتشكيل الحكومة أي بعد إعلان النتائج ولمدة قد تستغرق أكثر من شهر إضافي.
ويكون قد أنجز معركته في رئاسة الليكود، وفي حالة فوزه برئاسته، سيخوض الانتخابات مجدداً، خاصة أن القانون لا يحول دونه ودون ذلك، كما أن المحكمة العليا الإسرائيلية كانت قد قررت رد اثنتين من الدعاوى المرفوعة إليها، لإجبار نتنياهو على الاستقالة من رئاسة الحكومة.
لقد خطط نتنياهو بعناية لهذا الوضع، أي إطالة أمد بقائه في موقع رئيس الوزراء، إلى أقصى حد ممكن لموعد افتتاح محاكمته، لكي يدخل المحكمة وهو لا يزال فى موقعه، أو على الأقل إنهاك النيابة العامة والمدعي العام تمهيداً لعقد صفقة، يتم فيها شطب لوائح الاتهام ضده مقابل اعتزاله الحياة السياسية إلى الأبد.
وبذلك يتجنب نتنياهو عقوبة السجن لأعوام، لأنه يعرف خطورة الاتهامات الموجهة له، التي تستند إلى عديد من الشهود "الملوك" الذين استعانت بهم النيابة العامة، وعقدت معهم اتفاقات لحمايتهم ومن بينهم أصدقاء لرئيس الوزراء شخصياً ومعاونون له عاصروا الوقائع التي جرى بناءً على ضوئها توجيه لائحة الاتهام.
بالإضافة إلى بقاء نتنياهو رئيساً لحكومة تسيير الأعمال حتى تشكيل الحكومة، التي ستنتهي إليها انتخابات الكنيست الثالثة والعشرون، فإن أمامه فرصتان؛ الأولى حسم معركة الليكود والفوز برئاسته ودخول الانتخابات مجدداً، والثانية التقدم بطلب الحصول على الحصانة من الكنيست الجديد وإحالة طلبه إلى اللجنة المكلفة بذلك وهي مسألة قد تحتاج إلى مزيد من الوقت.
ومع ذلك فإن هذه الفرص محفوفة بالمخاطر، حيث تؤكد استطلاعات الرأى أن الزيادة في عدد مقاعد الليكود قد تكون طفيفة، وأن بقاء نتنياهو على رأس الليكود قد يكون سبباً في خسارته، كما أن طلب الحصانة غير مضمون.
ففي حالة فوز الأحزاب المعارضة بأغلبية، بمقدورها أن ترفض هذا الطلب، كما أن حزب أفيغدور ليبرمان لا يؤيد منح نتنياهو الحصانة، بل يؤيد فقط منحه العفو مقابل الاعتزال، وقد تبدأ محاكمته إذا لم يتحصل على أغلبية تضمن له الفوز في الحصول على هذه الحصانة.
في جميع الأحوال فإن مستقبل رئيس وزراء تسيير الأعمال بنيامين نتنياهو حافل بالغموض والعقبات السياسية والقانونية، التي تضعه في مهب الريح، رغم مهاراته في فن البقاء.
فكل أو أقصى ما يتمناه نتنياهو هو تجنب حكم التاريخ الإسرائيلي عليه بالبقاء وراء الجدران كأول رئيس وزراء في دولة الاحتلال مدان أثناء مزاولته المنصب؛ خاصة أن كثيرين ممن يعرفون نتنياهو عن قرب يشيعون عنه أنه قارئ للتاريخ.