"سعاة الديمقراطية".. عمال البريد في زمن الانتخابات الأمريكية
عابرون للأزمات، فهم يحضرون حين يغيب الجميع خوفا من فيروس مروع، أو عندما يختفون خلف جدران بيوتهم باحثين عن جسر لإيصال أصواتهم في حال تعلق الأمر باستحقاق انتخابي مصيري.
سعاة البريد في الولايات المتحدة الأمريكية أو "سعاة الديمقراطية" كما وصفتهم صحيفة "نيويورك تايمز" المحلية، الجنود الذين أوصلوا أصوات أكثر من 90 مليون ناخب أمريكي عشية الاقتراع.
ووفق الصحيفة، فإن دورهم هذا يأتي في ظل وجود العديد من كبار السن والمعرضين بشكل خاص للعدوى بفيروس كورونا، ما يعني أن رعاية تلك الأصوات بات بالنسبة لهم التحدي الأخير في عام مرهق.
والربيع الماضي، أي مع بداية انتشار الوباء، بدأ سعاة البريد الأمريكيون في نقل شحنات ضخمة من ورق التواليت والمياه المعبأة.
ولكن بحلول الصيف، قررت المؤسسة تقليص الأعمال الإضافية والتخلص من معدات الفرز، ولم تكف عن تحركاتها الجديدة إلا بعد حدوث احتجاجات عامة واتهامات بوجود دوافع سياسية، قبل حلول موعد الانتخابات المقامة اليوم الثلاثاء.
وتقول الصحيفة في تقرير مصور نشرته عبر موقعها الإلكتروني، إن خدمة البريد الأمريكية هي واحدة من أكبر أرباب العمل في البلاد، لكن الوباء جعل العمال الفيدراليين الأقرب إلى السكان أكثر بعدًا.
وأوضحت أن الكتبة يتلقون البريد من وراء فواصل شفافة، فيما يتجول ناقلو الصناديق حول المرافق البريدية مرتدين معدات واقية، ويرشون المطهرات، كما أن السعاة الذين يعرفون عملائهم منذ سنوات باتوا يبتعدون عنهم.
وأواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، صدر توجيه من المقر الرئيسي للبريد في واشنطن يطلب من مديري مكاتب البريد المحلية، ابتداءً من 8 أيام قبل الانتخابات، استخدام "تدابير استثنائية".
وتقضي الإجراءات المطلوبة بتسريع حركة بطاقات الاقتراع، ونقلها مباشرة إلى مكاتب الانتخابات المحلية، وحتى تسليمها يوم الأحد إذا لزم الأمر، وبالنسبة للأشخاص الذين يديرون مكاتب البريد، فإن أيام العمل قد باتت تطول لتصل إلى 12 أو 14 أو حتى 16 ساعة يوميًا.
ولدى ولاية فلوريدا ثاني أعلى نسبة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، وهي الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
لكن العمال الذين يسلمون بطاقات الاقتراع، ثم يلتقطونها بعد ملئها، معرضون للخطر أيضًا، فقد ثبتت إصابة الآلاف من عمال البريد في جميع أنحاء البلاد بفيروس كورونا، وتوفي ما لا يقل عن 101 آخرين.
ورغم المخاطر، فإن عمال البريد مجبرون على أداء مهامهم، حيث يقول أحد ناقلي الصناديق ويدعى بيل كينارد: "أعلم أنه يجب أن أكون هنا حتى أعول عائلتي".
وبعد إسقاط بطاقات الاقتراع في صندوق البريد أو تسليمها إلى الساعي، يتم فصلها عادةً عن البريد العادي، وتنقل إلى مكان معين حيث يتم فرزها حسب الوجهة النهائية، وتسلم إلى مكتب البريد في المنطقة المناسبة ثم إرسالها إلى مكتب الانتخابات المحلي.
وأحيانا، يشكر العملاء عمال البريد على خدمتهم، لكن في بعض الأحيان، خاصةً مع حالة عدم اليقين بشأن التصويت عبر البريد وعناوين الصحف التي تتحدث عن التباطؤ المستمر في نقل الأصوات، فإنه يمكن أن يحدث العكس.
فعمال البريد الذين اعتادوا على اعتبار عملهم أمرًا حاسمًا ولكنه ممل في نهاية المطاف، قد وجدوا أنه أصبح الآن عملًا مسيسًا.
وتبعا لما تقدم، فإن العملاء يقومون بتسليمهم بطاقات اقتراعهم ثم يطرحون عليهم أسئلة ملحة مثل: "هل سيضيع صوتي؟" أو "هل سينتهي الأمر به في سلة المهملات؟".
ولكن في انتخابات تختبر أسس الديمقراطية في الولايات المتحدة، فإنه لم يكن من الممكن أن يحدث أي من هذا بدون وجود عمال البريد.