في 12 أغسطس/آب الماضي، أصدر مركز الإحصاء الأمريكي تعداد السكان لعام 2020.
وتتمثل أهمية هذا الإحصاء في معرفة التحولات الديموغرافية للولايات المتحدة على مدار عقد من الزمن.
وقد كشف التقرير عن عدد من النتائج، التي من المرجح أن تؤثر على العملية السياسية الأمريكية في الانتخابات المقبلة، وهي حسب التقرير:
تراجع نسبة الأمريكيين البيض غير المنحدرين من أصل إسباني بمعدل غير متوقع، فقد أظهر التقرير الإحصائي لعام 2020، أنهم أصبحوا الآن أقل من 60٪ من السكان، وهي المرة الأولى التي يصلون فيها إلى هذا المعدل.
أما بقية السكان فيمثلون 18.6٪ من أصل لاتيني، و12.5٪ من السود و9.1٪ أقليات عرقية آسيوية وغيرها.
ولا يقتصر تراجع نسبة السكان البيض غير المنحدرين من أصل إسباني على ولاية واحدة، وإنما تشهد معظم الولايات هذا التراجع.
وفي الواقع، هناك ولاية واحدة فحسب، وهي ولاية "مين" تصل نسبة السكان البيض غير المنحدرين من أصل إسباني فيها إلى 90% أو أكثر.
كما أن هناك ست ولايات، تشكل نسبة البيض غير اللاتينيين بها أقل من 50٪ من السكان، وهذا يشمل ولاية كاليفورنيا، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، حيث يشكل اللاتينيون الآن الأغلبية بها بنسبة 39٪.
ومن حيث كيفية تأثير ذلك على السياسة، فإنه يتضح أن المرشحين الفائزين سيتحتم عليهم في المستقبل اختيار واحد من بين خيارين، أحدهما الاعتماد على تحالفات أكثر تنوعاً مما اعتاد عليه المرشحون في السنوات السابقة، والآخر حاجة المرشحين إلى الحصول على مزيد من الدعم من قبل الناخبين البيض.
ففي انتخابات عام 2016، لجأ "ترامب" إلى الخيار الثاني، أما في انتخابات 2020، فقد اكتسب المزيد من الدعم بين السكان الملوّنين، وربما يصب هذا الاتجاه القائم على التنوع في صالح الديمقراطيين.
أما المجموعات الأكبر سناً فقد أصبحت تشكل نسبة أكبر من السكان، حيث يُشكل البالغون، 18 عاماً فأكثر، الآن 78٪ من إجمالي الأمريكيين.
وتبلغ نسبة الأطفال، من تقل أعمارهم عن 18 عاماً، 22٪ فقط.
وفي تعداد 2020، وصلت نسبة البالغين إلى 76٪ من الأمريكيين، ونتيجة لهذا فإن غالبية السكان دون سن 18 عاماً من غير البيض، ومع استمرار حدوث المزيد من التغيرات الديموغرافية، سيكون هناك عدد أكبر من الأقليات في العقود القادمة.
وتزداد نسبة كبار السن بين سكان الولايات المتحدة في نفس الوقت الذي ينمو فيه إجمالي عدد سكان البلاد بوتيرة بطيئة.
وبينما اعتقد البعض أن زيادة التنوع في السكان الأمريكيين وتراجع نسبة البيض سيصب في صالح الديمقراطيين، فإنه يمكن القول إن النتيجة التي كشف عنها التعداد بأن المجموعات الأكبر سناً أصبحت تشكل نسبة أكبر من السكان، هي بمثابة القوة الموازية التي يمكن أن تؤذي الديمقراطيين في المستقبل.
وربما يكون التغيير أكثر وضوحاً بين شباب المستقبل لأن التعداد الإحصائي كشف عن أن ما يقرب من نصف الأمريكيين، الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، 47٪، هم الآن من غير البيض أو من متعددي الأعراق.
وبالنظر إلى اتجاهات آخر رئيسَين للولايات المتحدة، يتضح أنهما اعتمدا على الناخبين الأكبر سناً للفوز بالانتخابات التمهيدية.
وينبغي على المرشحين في الانتخابات المقبلة إدراك أن القوة في جمهور الناخبين ستأتي بشكل متزايد من الناخبين الأكبر سناً ومن متعددي الأعراق.
كذلك كشف التعداد الإحصائي أن 312 من أصل 386 منطقة حضرية في الولايات المتحدة فيها عدد سكان أكبر مما كان عليه في بداية العقد الماضي، وفي تلك الأماكن، يتنافس الديمقراطيون بشكل متزايد.
ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان الرئيس جو بايدن أول ديمقراطي يفوز بولايتي أريزونا وجورجيا على المستوى الرئاسي منذ تسعينيات القرن الماضي، لذلك ربما تتغير ساحات المعارك الانتخابية قريباً، وبدلاً من أن تكون في ميتشغان وبنسلفانيا وويسكونسن ستكون في أريزونا وجورجيا.
بشكل عام، كانت النتائج جيدة للحزب الديمقراطي، وتشير إلى أن بعض الخسائر المتوقعة في انتخابات عام 2022 قد يتم تخفيفها قليلاً من خلال زيادة النمو السكاني في المناطق الحضرية الكبيرة، التي تميل إلى التصويت للديمقراطيين، وانخفاض عدد سكان الريف، الذين يميلون إلى تفضيل الحزب الجمهوري.
في حين أن الأرقام الصادرة عن "الإحصاء السكاني" لا تغير احتمالية تشكيل مجلس النواب من الجمهوريين بعد انتخابات 2022، إلا أنها توضح أن المهمة لن تكون سهلة على الحزب الجمهوري كما كان يعتقد الكثيرون.
أيضاً فعملية إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية تعمل لصالح الجمهوريين: ذلك أنه في حين أن تخصيص كل ولاية لأعضاء مجلس الشيوخ ثابت عند اثنين، فإن حجم ممثلي كل ولاية في مجلس النواب يختلف باختلاف عدد السكان.
ونظراً لأنه يلزم أن تكون الدوائر الـ435، المكونة لمجلس النواب، متشابهة عددياً في عدد السكان، فإن كل تعداد جديد يتطلب إعادة ترسيم الحدود لضمان تمثيل متساوٍ تقريباً عبر جميع المقاطعات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحولات الديموغرافية في الولايات المتحدة ستؤثر على عدد مقاعد مجلس النواب في 13 ولاية.
ختاماً أظهرت البيانات الصادرة حديثاً من مكتب الإحصاء أن الولايات المتحدة يزداد فيها تعدد الأعراق والتحضر بشكل أسرع مما كان متوقعاً، حيث تلوح في الأفق معارك إعادة تقسيم الدوائر في الكونجرس، لا سيما في ظل سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس بأضيق الهوامش، وقرب إجراء انتخابات التجديد النصفي، ما سيؤثر بشكل كبير على الشكل، الذي سيبدو عليه الكونجرس خلال العقد القادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة