تمر الأيام ولا نرى مجازر توقَّع كثيرون أن تُرتكب ضد الأفغان بمجرد وصول "طالبان" إلى الحكم.
لكن الحديث عن انتقال سلس للسلطة في أفغانستان لا يزال طويلا ومرهونا بأمور كثيرة، إذ مع وصول المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، إلى كابول قادما من الدوحة، وكشفه بعض توجهات الحركة، فإن انتقال السلطة بدا موضوعا مُلحًا لا أحد يعلم مستقبلا له في أفغانستان.
ومن بين ما قاله متحدث "طالبان" عند عودته: "نحن ملتزمون باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية"، و"انتهت الحرب في أفغانستان، وأصدرنا عفوا عن الجميع"، و"لن تسمح طالبان بإنتاج المخدرات في أفغانستان"، وهي التصريحات التي تحمل تقريبا في تحليل مضمونها تناقضات كثيرة.
لقد حاول "مجاهد" في خطابه الأول بعث رسائل تطمينية حول ما أسماه "اعتدال طالبان"، وهو أمر تخوّف كثيرون منه ووصفوه بأنه "بعيد المنال في منهج الحركة".
فهل توجد ثقة دولية في مثل هذه التصريحات الطالبانية؟
الإجابة أنه لا يمكن الوثوق بذلك إلا عبر ما يقوله الواقع، ولكن يجب تحليل الحقائق ضمن سياق أوسع، فالظاهر أن السبيل الوحيد أمام أي حركة أو تنظيم مارس العنف في فترة من فتراته هو انتهاج الاعتدال والمرونة كخطة للوصول إلى الاعتراف بشرعيته.. لذا يتشكك الجميع في تصريحات قادة "طالبان"، مُبدين مخاوفهم من أن تكون هذه التصريحات مجرد خدعة لا تغيّرا في الفكر والمنهج.
هنا وجب على العالم، الذي سيتعامل بحكم الواقع مع "طالبان"، أن يكون حذرا، لأن هذه الطريقة يمكن أن تكون بمثابة نموذج في المستقبل القريب يساعد في تبييض صورة تنظيمات إرهابية كـ"القاعدة" في اليمن والصومال وبقية بلدان أفريقيا.
ولعلنا نرى هذا الأسلوب فيما تستخدمه حركة "الشباب" في الصومال، وذلك لكسب ود السكان من خلال سرديتها على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تقدم الحركة نفسها على أنها "البديل الوحيد للحكومة الضعيفة"، بل وتخفف من حدة خطابها مقارنة بما كان عليه قبل عامين، وتتحدث أيضا عن احترامها بلدان الجوار، مثل كينيا وإثيوبيا.
وفي غرب أفريقيا، حاول تنظيم "القاعدة" تعديل خطابه وتوجيه هجماته إلى القوات الأجنبية والجيش والشرطة، لكن السكان لم ينسوا بعد المجازر التي ارتكبها "القاعدة" قبل سنوات قليلة، وهذا ما يصعّب الأمر على التنظيم الإرهابي.
وعند الحديث عن أفغانستان، يجب أن نضع في الاعتبار أن أعمار قادة "طالبان" لا تقل عن 40 عاما، وبالنسبة لشخص في هذا العمر، من المؤكد أن أحد خياراته المفضلة هو الاتفاق على مخرج يصب في مصلحته ويقوده إلى حياة أقل تعبا، ولكن للوصول إلى هذه النقطة، يجب أولا خلق حالة ضغط يصعب على الخصوم تحمّلها ليساعد ذلك في بلورة اتفاق كسبيل وحيد للخروج من الأزمة.
ولعلها تقنية أخرى عبر حرب نفسية تنتهجها حركة "طالبان"، كانت قد حضّرت لها في أثناء اتفاقها مع الولايات المتحدة خلال محادثات الدوحة، حيث يبدو أنها وظّفت الوقت حينها لتحضير هذه الحرب النفسية وتطبيق تعليماتها حرفيا.
في المجمل، فإن مستقبل "طالبان" في أفغانستان سيعتمد أولا على إدارة قادتها المرحلة الحالية، وهم يدركون ذلك جيدا، فإذا ما تمكنوا من تجنب الفوضى في أشهر حكمهم الأولى، ستدخل البلاد المرحلة التالية بشكل طبيعي وسلس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة