في تطور سريع على الساحة الأفغانية منذ أسابيع، تسعى حركة "طالبان" إلى تنظيم سياسي يكفل لها الاستمرار والسيطرة قبل أن تترك الناس الحذر وتبحث عن ردود فعل مقنعة لكل ما حدث..
بعد أن سيطرت على معظم مدن أفغانستان، بما فيها العاصمة كابول.
ويبدو أن حركة "طالبان" تسعى إلى النفوذ متواكباً مع كسب المعارضة إلى صفوفها، والتي لا تزال تفرض نفوذها على منطقة محدودة.
وفي هذا السياق، قال السفير الروسي في كابول دميتري غيرنوف: "طالبان طلبت من السفير الروسي في كابول نقل عرض الحركة للمعارضة المؤيدة للحكومة المنهارة، شمال أفغانستان، وإبلاغ المقاتلين في وادي بنجشير برغبة طالبان في التوصل إلى اتفاق سياسي لتسوية الوضع هناك وللحوار مع الزعيم أحمد مسعود، بدلاً من إراقة الدماء".
فالساحة الأفغانية ليست مهيأة فقط للصراع الداخلي، بل إن خيوط اللعبة فيها ستكون في حالة مد وجزر بين قوى عالمية عديدة أهمها الصين وروسيا من جهة، وأمريكا وحلف الناتو عموماً من جهة أخرى، فلكلٍّ أهدافه وغاياته ولا يريد أن ينفرد طرف بالساحة الأفغانية حتى لا تكون لذلك تداعيات على قوة الموقف الدولي لأي من هذه الأطراف.
إذن حركة "طالبان" ليست وحدها من يواجه ذلك الوضع، فالجميع يشعر تقريباً بهذا الأمر، وسواء هدأت الأوضاع أم لا، فالأمور في حالة توتر، والمشكلة الكبرى تكمن في القوى الخارجية، التي تدير دفة هذه الأحداث، كأن الجميع يريد أن يحلّق في السماء مع طائرات أمريكا بزعم حمايتهم من "طالبان"، والحقيقة التي غابت عنهم أن هذا الهروب أشبه بتسلق جبل تحيط به المخاطر من كل اتجاه.
لقد حان الوقت لاكتشاف الحقائق، فالأشياء الغامضة التي تحدد مصائر الدول والشعوب لن يستعصي فهمها كما يعتقدون، والكل يعلم أنه بعد الكوارث والنزاعات يتم تجهيز المنابر للخطب السياسية ومواجهة أسئلة الصحافيين بتصريحات أشبه بالمسرحيات التي تكثف من العوائق الذهنية وتعيق الوصول إلى الحقيقة.
فبعد أن رأى نجل أحمد شاه مسعود أنّ أي حكومة أفغانية تتّسم بالتطرّف من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً، ليس لأفغانستان فحسب ولكن للمنطقة والعالم بأسره، في الوقت نفسه، أكد أنّه مستعد للمسامحة في دماء والده مع حركة "طالبان"، حال توفّرت شروط السلام والأمن في أفغانستان، فهل سيكون بمقدوره التفاوض سياسياً معها، أو يطمح في التفاوض على حكومة شاملة للملمة الانقسامات بين البشتون والطاجيك والأوزبك والهزارة، للقيام ببناء الدولة من جديد؟
إن العالم يشعر بتوعُّك، ليس من كورونا "كوفيد–19" فحسب، بل من الأحداث السياسية المتتابعة، والكل له نفس اليقين بأن جميع القضايا الدولية العالقة تناقض الحقائق، ويتعذر الوصول إليها بالعقل، لأنها ليست حقائق أولية وإنما حقائق مستنبَطة من واقع محموم، تقدم حلاً للإشكالات السطحية فقط، فهناك إيران تمارس الإرهاب طولاً وعرضاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن والعالم يتفرج.
الآن نحن في انتظار ما سيؤول إليه الوضع في أفغانستان، وهناك أسئلة مشروعة تحوم في الأذهان على غرار: ما شكل الحكم الذي ستدار به دولة أفغانستان؟ وهل ستقبل حركة "طالبان" بمن سيشاركها في الحكم؟ وكيف ستدار مؤسسات الدولة.. وما إلى ذلك من أسئلة.. والخوف كل الخوف أن تقع هذه الدولة في مدار حرب أهلية، لا سمح الله.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة