المشهد الأفغاني البائس أصعب بكثير من القدرة على توصيفه، فمن التعلق بعجلات الطائرات الأمريكية المغادرة مطار كابول، إلى مشاهد تسليم الرضع للجنود الأمريكيين ليحملوهم إلى خارج البلاد الغارقة في يأسها.
تتواصل المأساة الأفغانية لتختزل كل قضايا السياسة والعلاقات الدولية والأزمات الصحية والكوارث الطبيعية، فيما يعجز عنه التوصيف، بل وحتى التوظيف لكل غرض من الأغراض، فالواقع وحده يتطلب الفعل وليس غير ذلك.
تتوالى اتصالات رؤساء العالم الكبار من واشنطن وفرنسا إلى مدريد، ومن منظمات دولية متعددة الجنسيات، تشكر قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على دورها الفاعل في عملية إجلاء الآلاف من الأفغان المتشبثين بما تبقى من أمل في الحياة، وهم يواصلون التنفس الصعب على مدرج مزدحم بأجساد تلتصق بالأرض وتريد الطيران بعيداً عن أرضها ومأساتها، وهنا يأتي السؤال: لماذا الإمارات؟ وماذا فعلت لتأتيها الاتصالات الساخنة الشاكرة والمقدرة؟
حتى تكون الإجابة صحيحة لا بد أولاً من الإقرار بأن الإماراتيين انشغلوا طويلاً في استثمار إنشاء الذراع الإنسانية ضمن مهام القوات المسلحة، وهي ضمن عقيدة المواطن والأفراد العسكريين في تشكيل القوة، التي ظهرت في مشاهد عدة من كوسوفو والصومال واليمن، حتى أفغانستان، التي كانت القوات الإماراتية فيها ضمن القوات الدولية العاملة في مكافحة الإرهاب بموجب القرارات الدولية الصادرة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
الاستراتيجية الإماراتية لا تفصل العمل الإنساني في تنفيذها المهام الموكلة لها في مناطق النزاعات، وهذا ما ظهر بجلاء في كل عملية عسكرية قادتها الإمارات في اليمن بشكل واضح للغاية، فطالما ارتبطت قوافل الإغاثة الإنسانية بعد كل مهمة في مكافحة الإرهاب، ما أسهم بحصول القوات الإماراتية على الحواضن المؤيدة لها في كل أرض تخوض فيها معركة يدرك فيها الناس أن غوثاً ومساعدات ستأتي بعد أن تنجح القوة الإماراتية في إتمام عملياتها القتالية، وهو ما يعزز فرص إيصال المساعدات الإغاثية.
هذه الاستراتيجية العسكرية والإغاثية وازنت لتحقيق مستهدفات الإمارات كدولة داعمة للسلم حول العالم، وكدولة رائدة في عمليات مكافحة الإرهاب، ومن هنا يمكن تماماً استيعاب قدرة الإمارات في التعامل مع قضية العالقين الأفغان في مطار كابول.
فمن البداية كانت الإمارات جاهزة لتنفيذ المهمة المعقدة للغاية بكل تداخلاتها الإنسانية، التي تتطلب جهداً صعباً لتوفير أعلى معدلات السلامة والأمان للأفراد والجماعات المتكدسة، ومهم ملاحظة أن نقل الدبلوماسيين الغربيين تم في صمت إعلامي إماراتي لاعتبارات سياسية، ولكن لماذا تم نقل أيضاً المدنيين الأفغان بذات الصمت والهدوء؟.. لأن العملية إنسانية وليست مجالاً للدعايات، بمقدار ما هي إنفاذ لمهام أوكلت لقطاع عسكري أنجز مهمته بنجاح، وترك لقيادات العالم تقدم الشكر والعرفان لقيادة بلاده الإماراتية.
الدرس الحقيقي في الأفعال وليس الأقوال، والدرس الأول في الاستثمار في البنى التحتية للعقيدة القتالية المقترنة بالإنسانية، هذه دروس ملهمة لدول العالم وهي تتابع النجاحات المذهلة من بلاد الأفغان المشبعة باليأس والفشل.
الفكرة في إدارة الأشياء واستثمارها بطريقة صحيحة، بعدها ستحصل على نتائج مذهلة تماماً كما هي تسابق اتصالات زعماء الدول بسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتقديم الشكر والامتنان، فهذه نتيجة عمل وفعل مضى عليه سنوات ولم يكن أقوالاً تذاع دون أثر.
في الخمسين من عمرها تسجل الإمارات حضوراً يليق بالعقل المستنير الفاعل في الخير والتسامح والإنسانية، دبلوماسية عملية إجلاء القانطين الأفغان برغم صعوبتها وتعقيداتها لم تأتِ من الفراغ، بل من أسس وقواعد إماراتية راسخة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة