كيف تحول مطار كابول إلى محور أزمة أفغانستان؟ مع ملاحظة أنه ليست هناك حرب فعلية بين المغادرين الأمريكان وبين القادمين، "طالبان".
فالتنسيق بين الجانبين هناك كان على أشده، ولم تمنع "طالبان" أيا من الراغبين في المغادرة من الوصول إلى مطار كابول، فالمشهد في المطار يوحي بأن أمريكا -قبل سيطرة "طالبان" على كابول- قد عملت على منح مواطنين أفغان أوراقا وصورا وخطابات وتأشيرات هجرة إلى أمريكا، وعندما قررت الخروج في مايو الماضي لم يخرج الأفغان إلا بأعداد قليلة جدا، ولكن بمجرد سقوط الحكومة ومغادرة الرئيس الأفغاني كابول أصبح هناك وجه جديد للأزمة، ظاهره إنساني، ولكن لا أحد يعلم باطنه.
غابت كابول العاصمة عن المشهد إلا من بعض صور لجنود "طالبان" وهم يستمتعون بانتصارهم، وانتقل المشهد السياسي برمته على جميع المستويات إلى مطار كابول فقط، وهذا ما يثير الأسئلة المهمة حول دور مطار العاصمة؟
هل هو جزء من خطة سياسية أم تعبير عن فشل وزارة الدفاع الأمريكية في تنفيذ أمر الانسحاب؟ أم هو صناعة لأزمة إنسانية للتغطية على مشروع سياسي يسمح لـ"طالبان" بالانتشار والتمكن من كابول، وبعدها يعود الهدوء إلى المطار؟
كل السيناريوهات مفتوحة، لكن السيناريو الأهم يدور حول مطار كابول كجزء مهم في عملية سياسية رُسمت بدقة، خاصة عندما نتوقف عند منظر طفل يحمله جندي أمريكي من بين يدي والدته ليكون في أمان.. هذا المشهد يفترض تفسيرات مباشرة وغير مباشرة للحدث.
"البيت الأبيض" حدد نهاية هذا الشهر لاستكمال عملية الانسحاب، لذلك فما سوف يحدث حتى نهاية الشهر عملية أشبه ما تكون بمشهد سينمائي مثير متعدد القصص مليء بالدراما، عبر عملية إجلاء العالقين، ولكن الأهم في هذا المشهد هو إجلاء الأفغان المتعاونين مع أمريكا، فعملية الإجلاء بهذه الطريقة تتطلب مواجهتها ببعض الأسئلة، حيث لا يوجد صراع عسكري وقتل بين الأطراف، ولعل السؤال الأهم: أين ذهب البشر الذين نقلتهم أمريكا من أفغانستان؟ فقد وصل عدد الأشخاص الذين تم نقلهم من أفغانستان على متن الرحلات الجوية الأمريكية منذ يوليو الماضي 53000 شخص، الغالبية العظمى منهم نقلوا جوًّا في 14 أغسطس الجاري بعد تحرك "طالبان" إلى كابول.. فهل أصبحت الهجرة إلى أمريكا ثمنا مهما تدفعه أمريكا للشعوب؟
المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، قال إن الذين تم نقلهم "آلاف الأمريكان وآلاف الأفغان" الذين عملوا مع القوات الأمريكية، والذين تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات هجرة خاصة أو حصلوا عليها، ولكن يبقى سؤال حول عدد من تم نقلهم ومن سيتم نقلهم حتى نهاية الشهر الجاري، فالرقم سيكون كبيرا جدا، والالتزام الأمريكي تاريخيا تجاه من يخدمونها ليس إيجابيا إلى تلك الدرجة، وهذا ما يجعل تفسير ما يحدث في مطار كابول عملية معقدة، فهل "طالبان" اليوم في هدنة مع الأمريكان حتى نهاية هذا الشهر ومن ثم سيكون لها حديث آخر في طريقة إدارتها البلاد وتشهد كابول وجها شرسا للحركة؟
الصورة التي تنقلها أمريكا عن الحدث ليست مطمئنة، فمستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، حاول تأجيل الأسئلة عن تمديد الموعد النهائي للانسحاب الأمريكي لما بعد محادثات مجموعة السبع، واختتم حديثه بعبارة مهمة قائلا: "البيت الأبيض يتعامل مع الموقف يوما بعد يوم".
كل ما يُقلق أن مشهد مطار كابول اليوم قد يُخفي خلفه مشهدا في كابول غدا يحتمل عودة الأيديولوجيات ووجهها القبيح، فالتعامل الأمريكي والأوروبي مع المطار يشي بأن قضية المطار قد تكون بداية لمشهد وأزمات قادمة على جميع المستويات العسكرية والسياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة