في كتاب، أحاول توجيهه حول موضوعات الأمن عموماً، والموضوعات السياسية والعسكرية والأمنية، وقراءة علمية معمقة حول المتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية والخليجية والمحلية.
تبرز موضوعات أخرى لا تقل أهمية، مثل تغير المحاور والتهديدات ودور الاتفاقيات والتحالفات المؤثرة في الشرق الأوسط.
من جانب آخر، فإن النقاش السياسي والعلمي الحالي، حول تبدل الدور الأمريكي، أو تراجع الدور الأمريكي، يطرح تساؤلات أخرى حول المستقبل القريب والبعيد، بالطبع الحديث عن المستقبل السياسي للشعوب وتحديداً لشعوب الشرق الأوسط والأمن القومي العربي والخليجي.
من الواضح أن العمل قد بدأ مبكراً لدراسة التراجع الأمريكي، خاصة بعد الانسحاب المباغت من أفغانستان، وخاصة في ظل التقديرات السابقة للإدارة الأمريكية بأن الحكومة الأفغانية ستكون قادرة على الوقوف وصد هجمات "طالبان"، والذي تبين أنها لم تكن تقديرات بقدر ما هي تخمينات فقط.
فذكرت بعض الدراسات أنه إذا كانت تلك هي الخطة العامة الاستراتيجية الأمريكية، فمعنى ذلك أن أمريكا لن تتدخل كثيراً في الشرق الأوسط، وستذهب لتقليل نفوذها وتمويلها لكل "عمليات الحرب والسلام" في المنطقة.
بالأمس أيضاً تحدثت مع مجموعة سياسيين وباحثين يناقشون ماهية النظرة المستقبلية في حال وصل التقارب بين إيران والدول الخليجية إلى أفضل مستوى ممكن، وتجاوبت إيران مع متطلبات الشراكة الاستراتيجية بالتخفيف من تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فكيف سيلتقي ذلك "وسط الطريق" لإتمام اتفاقيات السلام القائمة أو المتوقفة أو المستحيلة؟
يقول البعض إن المشكلة الكبرى، التي يمكن مواجهتها، ليست في اجتذاب إيران نحو "وسط الطريق"، فإيران تعلم علم اليقين حجم الآثار الإيجابية سياسياً واقتصادياً، داخلياً وخارجياً عليها، خاصة في ظل تقاربها مع الصين وروسيا لبناء شبكة تحالفات قد تشمل الشرق الأوسط لاحقاً، والتي تم التمهيد لها على أرض الواقع منذ زمن ليس بقريب.
يقولون أيضاً إن دولاً خليجية ما زالت تدرس وتبحث في ماهية علاقتها المستقبلية مع إيران، والتي يفترض أن تقوم على الندية والشراكة وتبادل المصالح، فالسعودية مثلاً لديها أفق سياسي رحب، منيع وعميق قادر على رؤية الطريق نحو المستقبل وتحصينه برؤى تحقيق المصالح العليا الوطنية والخليجية والعربية.
يرى البعض أن المشكلة قد تكون في اجتذاب الجانب الإسرائيلي إلى وسط الطريق، ليس بسبب العداء التاريخي بين إيران وإسرائيل، بل لأن إسرائيل تعاني من صراع القوى السياسية الداخلية، فمنهم من يوافق على حل الدولتين ومنهم من يرفضه، ومنهم من يقبل بإيران ومنهم من يريدها فزاعة، ومنهم من يريد الحرب ومنهم من يبحث عن السلام.
في ظل ذلك الصراع الإسرائيلي-الإسرائيلي، يبدو "وسط الطريق" بعيداً، ليس مع الجانب الإيراني فقط، بل في جوانب أخرى كثيرة.
على سبيل المثال، اللقاء مع مصالح دول المنطقة الأخرى، التي تتأمل السلام ولكنها لن تقترب من "وسط الطريق" قبل التأكد من أن إسرائيل قادرة كلياً على تفهم الاستحقاقات الوطنية لكل دولة على حدة.
فمثلاً لو تحدثنا عن العراق أو سوريا أو لبنان، فعلى إسرائيل أن تقرر بالإجماع تمهيد الخطوات السياسية والعسكرية والاقتصادية كافة، التي تضمن حصول تلك البلدان العربية على ما يدعوها لمد يد السلام، وكذلك الضمانات الإسرائيلية الكافية لطمأنة الشعوب والأنظمة بأن توقيع اتفاقيات السلام سوف يحقق المصالح المشتركة.
لا نريد تذكير الإدارة الإسرائيلية أن الاتفاق مع دولة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2020 كان في ظل رعاية أمريكية من ناحية، وفي ظل نظرة إماراتية ثاقبة تطوي صفحات الماضي وتستشرف المستقبل بوضوح، وأن الأولوية القصوى لدولة الإمارات كانت في التأكد من أن تلك الاتفاقية ستحقق مصالح وطنية كثيرة، على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية، والتي ستنعكس بالخير أولاً على شعب الإمارات، ثم على شعوب الخليج ومنطقة الشرق الأوسط.
هذا العصف الذهني أصبح وارداً في هذه اللحظات التاريخية التي تتوقف أو تنسحب فيها الولايات المتحدة الأمريكية عن أدوارها المختلفة حول العالم، وحول الشرق الأوسط على وجه التحديد، وأن الاطمئنان الذي حصلت عليه دولة الإمارات من تحقيق رؤاها ومخططاتها وتحقيق مصالحها، وكذلك البحرين والمغرب والسودان، وسبقها إلى ذلك مصر والأردن، يجب أن تراه دول أخرى في المنطقة، وأن تحصل على الضمانات التي تشجعها على خوض هذا التحدي السياسي، وأن ذلك قد يحدث دون رعاية أمريكية أو أوروبية، أو تكون مجرد رعاية خجولة.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة