لمّا انسحبت القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1989م، اندلعت حرب أهلية وتعاظمت تأثيراتها على الشعب الأفغاني وانتهت بانتصار "طالبان".
لكن أحمد شاه مسعود، الزعيم الأفغاني وقتها، استطاع مع حلفائه في الجبهة الموحدة، التي عُرفت بـ"تحالف الشمال"، الاحتفاظ بالسيطرة على منطقة "وادي بانشير"، شمال شرقي أفغانستان، حتى حدود الصين وطاجيكستان.
ويخشى مشرّعون ومسؤولون أمريكيون أن يدفع رحيل القوات الأجنبية وانهيار الأجواء الأمنية في أفغانستان إلى اندلاع حرب أهلية جديدة شاملة.
وبدوره يستكمل البنتاغون تنفيذ الانسحاب بنسبة عالية، فيما لا تزال تركيا لديها أكثر من 500 جندي في أفغانستان، ولنتذكر هنا جيدا أن لتركيا الآن أكبر وجود عسكري أجنبي على الأراضي الأفغانية.
ومنذ بدء المفاوضات بين الإدارة الأمريكية وبين "طالبان" في أبريل/نيسان الماضي، بدأ سكان "وادي بانشير" إعادة تفعيل وإحياء فصائلهم العسكرية، معلنين أنهم لن يسمحوا لـ"طالبان" بدخول "بانشير"، ولكن ما مدى قوة هذه المقاومة؟، وحتى الآن لا يُعرف كيف سترد "طالبان" عليها.
على ذلك يعلق ميشائيل كوغلمان، خبير شؤون جنوب آسيا في مركز ويلسون الأمريكي بقوله: "إذا اعتمدنا على كلام طالبان، فإن منطقة بانشير يجب أن تكون آمنة، فالحرب قد انتهت في أفغانستان، وطالبان لن تلجأ إلى العنف بعد اليوم، ما يعني أن المناطق، التي لا تخضع لها، سيتم تركها وشأنها، لكن علينا أن ننتظر ونرى تأثيرها على الدول العربية".
وإذا ما احتدمت الصراعات بين مختلف الأطراف، فإن منطقة "بانشير" ربما تشهد مواجهات ضد "طالبان" يقودها "أمر الله صالح"، نائب الرئيس الأفغاني السابق.
وينتمي "صالح" لقومية الطاجيك، وكان في صفوف المقاتلين المناهضين للتدخل الروسي في أفغانستان، وقاتل ضمن التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود، الذي قُتل عام 2001م في تفجير كاميرا مفخخة قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول بأيام معدودة.
في هذا السياق، رفض جنود من الجيش الأفغاني الاستسلام، وتوجهوا إلى ولاية "بانشير" للانضمام إلى ما يسمى "المقاومة"، مزودين بالسلاح لدعم القوات الموجودة هناك مع مقاتلين من قوات الجنرال عبد الرشيد دوستم، وهو من الشخصيات السياسية والعسكرية المؤثرة في أفغانستان.
وقد صرح نائب رئيس أفغانستان السابق، أمر الله صالح، بأنه حال غياب الرئيس أو هروبه أو استقالته أو وفاته، فإنه سيكون الرئيس المؤقت للدولة، ويمكنه بهذه الصفة الاتصال بزعماء العالم للحصول على دعمهم، حسب قوله، مشدداً على أن الأفغان لم يفقدوا وجودهم قط، ولم تتراجع الروح المعنوية لديهم، وأن هناك فرصاً كبيرة تنتظرهم مستقبلاً.
ويرى "صالح" أنه من غير المُجدي الآن الخلاف مع الرئيس الأمريكي جو بايدن حول الوضع في أفغانستان، وقال: "لن أرضخ أبداً، وتحت أي ظرف لن أخيب آمال الملايين، ولن أكون تحت سقف واحد مع طالبان".
على هذا، فإن هناك هواجس تتعلق بما ستفعله "طالبان"، التي ينتمي معظم رجالها إلى قبائل البشتون، والتي أعلنت في بيانات إعلامية أنها "تعفو عن الجميع لصالح الاستقرار والسلام في أفغانستان"، بل ووعدت باحترام دور الصحافة، وتعهدت بأن الإعلام الخاص يمكن أن يستمر حراً ومستقلاً، لكنها حذرت الإعلام في الوقت نفسه بقولها: "يجب ألا يعمل في مواجهتنا".
الكل في منطقة الشرق الأوسط، والعالم، يساوره القلق حول سؤال: هل ستبدأ حرب جديدة في الساحة الأفغانية؟ أم ستنتهي وتيرة المقاومة الميدانية بغية استقرار وأمن الشعب الأفغاني؟
هذا ما ستفصح عنه الأيام المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة