أعلنت حركة "طالبان" يوم السابع عشر من أغسطس الجاري "عفواً عاماً" عن كل موظفي الدولة الأفغانية، داعيةً إياهم إلى معاودة العمل بعد يومين من استيلائها على كابول إثر هجوم خاطف.
كما حثت النساءَ على الانضمام إلى حكومتها، في محاولة لاحتواء الخوف والقلق لدى الشعب الأفغاني بعد سيطرتها على العاصمة.
وستكشف الأيام المقبلة تباينات الطبعة الجديدة من "طالبان" عن سابقتها، فما هو متاح الآن هو المراقبة والانتظار.
وحسب ما قاله قائد الجيش البريطاني في الثامن عشر من الشهر الجاري، فإنه ينبغي أن يعطي العالم حركة "طالبان" متسعاً من الوقت لتشكيل حكومة جديدة، وربما يكتشف أن المتمردين الذين تعامل معهم طيلة عقود على أنهم متشددون، قد أصبحوا أكثر عقلانية!
وقال مسؤول من "طالبان": إن قادة الحركة سيظهِرون أنفسَهم للعالم على النقيض مما حدث خلال عشرين عاماً الماضية، حين كان معظمهم متخفّين لا يظهرون للعلن.
والسؤال الموجه إلى قادة الحركة حالياً هو: إذا كان الهدف هو تشكيل حكومة مركزية، فكيف ستشركون معهم المكونات الأفغانية الأخرى دون إقصاء أحد؟ وهل سيقبلون الشراكة مع الفصائل والمجاميع العرقية، مثل الطاجيك بقيادة أحمد مسعود، وكذلك الأوزبك والهزارا.. إلخ؟
وبالطبع، فإن أي حكومة لا تمثل جميع الأفغان سيكون الاعتراف الدولي بها محدوداً.
فلن تستطيع "طالبان" السيطرة على كامل أفغانستان بمفردها، ولن يتحقق التوافق العام دون إشراك المكونات الأفغانية الرئيسية، وقد رأينا كيف توقف زحف "طالبان" في بعض المناطق، خاصة معقل أحمد مسعود، نجل القائد أحمد شاه مسعود، الذي يمجده الطاجيك ويراه الأفغان أحد أبطالهم في الحرب ضد السوفييت.
وإذا سلكت "طالبان" أسلوباً مغايراً للحوار والتفاهم فستواجَه بمقاومة شديدة من أطرف داخلية عدة، وقد يقود ذلك إلى حرب أهلية.
وستلقى "طالبان" في هذه الحالة معارضة دولية شديدة، من جوارها الجغرافي ومن الولايات المتحدة، التي قد تلجأ إلى تكييف الحالة بغية دفع مجلس الأمن الدولي للتدخل.
وبذلك أيضاً ستحرم "طالبان" نفسَها فرصة تاريخية نادرة، كما ستفتح المجال لتدخل المجتمع الدولي، بما فيه أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا، فيطول الصراع أكثر فأكثر وتصبح أفغانستان رهينة للأمم المتحدة، وبعدها لن تكون مكاناً آمناً للاستثمار، خاصة لمشروع "الحزام والطريق"، الذي تطمح الصين لإقامته وتعارضه واشنطن.
مع عودة "طالبان" بطبعتها الجديدة، أخذ القلق يتسرب إلى المنطقة العربية والشرق أوسطية عموماً، ويولّد تساؤلات مشروعة حول ما إن كان سيرافق عودتها انتعاش لنشاط الجماعات المتطرفة، التي قد تتوهم إمكانية استنساخ تجربة "طالبان" فيما لو قدّر لها النجاح!
لا يمكن التسليم بالمبالغات الحالية حول الحدث الأفغاني وتصويره على أنه انتصار لـ"طالبان" على القوات الأمريكية.. الولايات المتحدة أعلنت التخطيط لسحب قواتها منذ وقت طويل وإكماله في 31 أغسطس 2021، وقد بدأت بالفعل، مما أثار تساؤلات عدة خارج أمريكا وداخلها وفي أوساط المؤسسات الأمريكية المختصة والأوساط الإعلامية، واستُقبل بامتعاض من قبل العسكريين وفي الكونجرس أيضاً.
وفي شأن الانسحاب، تناول مؤرخ أمريكي، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، أسباب "الهزيمة" التي تعرضت لها الولايات المتحدة في أفغانستان.
وتحت عنوان "لماذا انتصرت القبائل الأفغانية على الولايات المتحدة؟"، كتب "جيريمي سوري" واصفاً شبكات القرابة محكمة الترابط بأنها ليست من مخلّفات الماضي، بل هي شكل حديث وفعال من أشكال التنظيم السياسي.
إعلان "طالبان" إمارة إسلامية في أفغانستان، وحصر السلطة والحكم في عرقية "البشتون"، سيدفع أفغانستان نحو دورة جديدة من العنف، وسيجلب لها استقطاباً إقليمياً ودولياً يجعل منها مجدداً بؤرةً للتوتر.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة