منذ إقصاء النهضة من سدة السلطة في تونس واتساع التأييد الشعبى لقرارات الرئيس، تزيد قتامة المستقبل السياسى للإخوان المسلمين في العالم..
خاصة في ظل حالة الغضب الشعبي ضد الجماعة وأذرعها في كل مكان، وفقدانها الحلفاء، فالأحداث الأخيرة في تونس لقيت ردة فعل عربية ودولية هادئة ومستوعبة، وهذا يعيد إلى الأذهان فشل تجربة الإخوان المسلمين في مصر، وإخفاقهم في محاولات الصعود إلى السلطة في سوريا.
لقد فشل الإسلام السياسى في أن يقدم نفسه كبديل مقنع للشعوب العربية، ولم يستطع أن يُنشئ مشروعا سياسيا أو أن تكون له قيادات فاعلة ومحبوبة من قبل الشعب، بل دخل في خلافات مع الأطراف الأخرى ومؤسسات الدولة من أجل البقاء في السلطة.
فجماعات الإسلام السياسى تؤمن بالوطن كحيز معنوي وليس كحيز وطني، فيكفي أن تبايع هذه الجماعات أحد قادتها كخليفة ليصبح لديهم خلافة دون فرض السيادة على الجغرافيا، من خلال تحسين ظروف المجتمع والتفكير في تنميته، فهي لا ترى نفسها إلا امتدادا للتنظيم في كل مكان، وتحاول أن تستنزف مقدرات الوطن من أجل الانتماء والبيعة للتنظيم الدولي، حتى وإن أظهرت غير هذا.
ولذلك عندما أُسقطت الحركة في بعض الدول وجدت نفسها معزولة ولم يقف معها أحد.
لكن هذا لا يعني أن هذه الجماعات تفقد الأمل في العودة مرة ثانية إلى المشهد السياسي، فهي تحاول بشكل مستميت التشبث بالسلطة بكل الوسائل.
ففي مصر حاولت من خلال نهج العنف، وفي تونس لا تزال تراوغ وتسعى إلى تغيير تكتيكات مختلفة لتحافظ على بقائها طرفا في المشهد السياسي، سواء من خلال الخطابات التصالحية أو الدعوة لإجراء حوار سياسي مع الرئيس، في محاولة منها للخروج من أزمتها الحالية، بعد فشلها في حشد الاحتجاجات ضد قرارات الرئيس، وفشلها أيضا في الضغط على واشنطن، وتهديد الدول الأوروبية بورقة اللاجئين، من أجل أن يعتبروا قرارات الرئيس التونسي انقلابا يتطلب تدخل المجتمع الدولي ضده.
هذه الإخفاقات تؤثر بشكل أو بآخر على امتدادات الإخوان في كل دول العالم، فيبدو أن واشنطن قد تخلت عن فكرة دمج الإخوان في نظم المنطقة، وتركت الخيار للأنظمة الحاكمة ليدمجهم مَن يشاء، "المغرب"، وليستبعدهم مَن يشاء، "تونس، مصر، السودان"، وليحاربهم من يشاء، "سوريا، ليبيا" وليعاديهم من يشاء "السعودية والإمارات"، وليتعامل معهم كأمر واقع من يشاء، "فلسطين".
جماعة الإخوان في تونس فشلت في بناء ثقة قوية مع الجماهير، لقد خيّبوا آمال الناس وأنصارهم في كل العالم، بالإضافة إلى فشلهم في بناء تحالفات قوية على الصعيد الإقليمي والدولي، لقد عادت كثيرا من دول العالم العربي والغربي، من خلال مشاريع التدخل في أوروبا واستغلال مساحات الحرية، وهو ما جعل الأطراف الدولية تتخوف منها.
لذلك ليس أمام الإخوان إلا الانتقال لمرحلة ما بعد الأخونة، التي ثبت فشلها، والاتجاه إلى توطين تنظيماتهم وأنشطتهم لتصبح جزءا من هوية الشعب الوطني، وتكريس خدماتها من أجل الوطن، وليس من أجل استراتيجية التنظيم الدولي، والتحلل منه وتفكيك ارتباطاتها الخارجية مع القوى الدولية.
يبدو أننا مقبلون على حقبة جديدة، تتلاشى فيها التقسيمات الأيديولوجية الساذجة، التي ترتكز عليها المنظومات السلطوية الإخوانية، فنحن نعيش في عصر يمكن تسميته "عصر الذكاء السياسى"، ولا محل للطغيان الأيديولوجي، فأي شطط سلطوي مؤدلج وأحادي في ممارسة السلطة والسياسة لا أفق له.
نقلا عن الشروق
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة