تدفع "طالبان"، بوصولها إلى حكم أفغانستان، إلى إمكانية حدوث حوار بينها وبين الدول الغربية، شريطة التزامها بمعايير ليبرالية.
هذا فضلا عن مترادفات الخطاب السياسي والإعلامي، التي أطلقها قادة العالم برسالة متعددة الأهداف بأن الحركة "باتت واقعا بعد أن نجحت في العودة إلى الحكم بعد 20 عاما"، ما سيُلقي بتبعاته على مسارات واتجاهات الحركة، التي ستعمل أطرافٌ أخرى بناء عليها وانطلاقا منها، ليس في آسيا فقط، وإنما أيضا في الشرق الأوسط وجنوب الساحل والصحراء وبقاع مختلفة من العالم.
فأولا، أصدرت حركات، كـ"حماس" التي يُنظر إليها غربيًّا على أنها "إرهابية"، بيانات تأييد ودعم "طالبان"، بل وإعلان دورها في تحرير أفغانستان من الأمريكان، وهو الأمر الذي قوبل برسائل إيجابية من متحدث "طالبان"، وهذا يعني أن حركات الإسلام السياسي، التي ترفع زُورًا "شعار المقاومة"، سيحقق لها وصول "طالبان" إلى حكم أفغانستان زخما وحضورا، خاصة أن رهانات هذه الحركات ستكون خلف واجهة تكرار التجربة الطالبانية بزعم "الخلاص من المحتل".
وثانيا، لن يقتصر الأمر على حركات الإسلام السياسي، بل ربما يمتد إلى التنظيمات الإرهابية، التي قد ترى في أفغانستان منطلقا لتكرار حضورها في مناطق أخرى من داخل أفغانستان إلى خارجها، فلا يجب أن ننسى وجود عناصر تنظيم "القاعدة" في العديد من الأقاليم الأفغانية، وما لدى التنظيم الآن من أمل وفرصة لإعادة الانتشار.
فحسب تقييمات أجهزة المعلومات الدولية، فإن مثل هذه التنظيمات ستعمل في دوائر متسعة للانتشار من وإلى الداخل، مما قد يمدد هجماتها إلى أوروبا ومناطق بالشرق الأوسط، حيث المساحات في العراق وسوريا.
ثالثا: لا جدال أن قوة الدفع، التي سيتركها وصول "طالبان" إلى السلطة، ستؤدي إلى متغيرات حقيقية ومهمة في مناطق مختلفة، بصرف النظر عما تحاول الحركة عبر مسؤوليها نفي مخاطره، خاصة أن لديها حسابات محددة في التعامل وعدم إسقاط مرجعياتها تحت أي اسم، وقد لا تسعى إلى إجراء أي تغييرات جوهرية في نمط الحكم.
لذا، من المبكر أن نقول إن "طالبان" ستستجيب لما يُروَّج غربيا عنها بإعادة تقديم نفسها إلى العالم عبر سياسات ومرجعيات محددة، فالأمر سيظل مرتبطا بمواقف وممارسات "طالبان" على الأرض، وليس مجرد إعلانات من هنا أو هناك، ما سيؤكد ضرورات جديدة للتعامل مع الوضع الأفغاني من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، خاصة إذا عادت تنظيمات العنف في أقاليم العالم المختلفة للنشاط، ما سيؤدي إلى حسابات أخرى واهتزازات أمنية، وتحديدا إذا اتجهت الدول الكبرى للحوار مع "طالبان" والتعامل معها كطرف يحظى بالقبول الدولي، فهذا قد يرفع الحظر، ولو معنويا، عن بعض التنظيمات والجماعات -أيا كان تصنيفها- ما سيسمح بتكرار ما جرى في دول وأقاليم أخرى إذا ما اعترف العالم بـ"طالبان القديمة"، في ظل غياب المعايير والضوابط.
رابعا: في ظل توقع ما سيجري من تحولات في بنية النظام الدولي، وصعود قوى مثل الصين وروسيا، لسدة النظام الراهن، فإن السؤال المطروح والمهم هو: ماذا عن موقف الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، الذي سيدفع كثيرا من شعبيته في المدى المنتظر بسبب ما سيجري في أفغانستان؟
فتعامل "بايدن" مع "طالبان" قد يكون مدخلا لتعاملات محتملة مع حركات أخرى مرفوضة عالميا، في ظل دعوات أمريكية داخلية تعبّر عنها شريحة الأكاديميين والسياسيين، المطالبين بالاهتمام بالداخل الأمريكي والانسحاب من العالم ومناطق الصراعات، التي تتحملها الأمة الأمريكية، والعمل على إنعاش الداخل ومواجهة الصين وروسيا على أرضية المنافسة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية، وليس على أرضية عسكرية فقط، وهو ما يجب تفهُّم أبعاده جيدا.
لذا، فإن البدء في التهدئة مع "طالبان" والدعوة لإجراء حوار معها وتمكينها من الحكم واستمرار وجودها في الداخل الأفغاني كحركة سياسية سيكون قابلا للتكرار منطقيا.
عالم ما بعد وصول "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان ليس كالعالم قبله، فهناك متغيرات ستحدث في بنية النظام الدولي بأكمله، لن تقتصر على جماعات الإرهاب والعنف، بل ستطال سياسات الدول الكبرى، التي ستُسقط حساباتها السياسية التقليدية، وستدخل مرحلة جيدة من المصالح، بما فيها احتمالية التحاور مع جماعات الإرهاب بحجة التوصل إلى الاستقرار والتهدئة.. وسننتظر في هذا الصدد لنرى ما الذي سيجري ويمس أمن العالم بأكمله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة