لم تُعرّف مجموعة "عدالة علي"، التي تنشر مقاطع فيديو ملتقطة من داخل سجن "إيفين" الإيراني، بنفسها بعد.
لكن أيّا كان مَن يقف خلف هذه التسريبات المصورة من داخل السجن سيئ السمعة، فهي تكشف الحقائق، التي بقيت سريّة ولا يُسمح لأحد بمعرفة تفاصيلها وإدراك ما يحدث داخل أسوار السجن المثير للجدل، منذ تأسيسه عام 1971 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.
وشكّلت التسريبات، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صدمة للأوساط الحقوقية، بعدما أظهرت آخر المقاطع سجيناً ذا جسم نحيل وهو مكبّل اليدين ويتعرّض للضرب بعنفٍ شديد من قبل ضبّاط مسؤولين عن السجن، الذي اعتبرته المنظمات الحقوقية مركزاً لكتم الأصوات المعارضة وتعذيب السجناء السياسيّين في إيران.
ومع عودة تاريخ سجن "إيفين" الأسود إلى الواجهة مجدداً، اضطرت السلطات الإيرانية إلى الاعتذار بشكلٍ علني، الثلاثاء الماضي، عن مشاهد التعذيب الوحشي بحق الشبان المعتقلين على خلفية مواقفهم السياسية المناهضة للنظام الإيراني، وبينهم أيضاً سجناء يحملون جنسياتٍ أجنبية إلى جانب الإيرانية، وذلك في خطوة لاحتواء الغضب العالمي، بعدما تداولت وسائل إعلامٍ دولية مقاطع الفيديو العنيفة، التي حظيت بمشاهداتٍ عالية وتحوّلت إلى فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل، خاصة أن الأحزاب الإيرانية المعارضة تحاول وضع ملف المعتقلين على جدول أعمال جلسات التفاوض بين الدول الغربية وبين طهران بشأن برنامجها النووي.
ويبدو من الاعتذار الإيراني السريع أنها تخشى بالفعل من ملف حقوق الإنسان، لا سيما أنها تقمع منذ سنوات طويلة سجناء سياسيين وأقليات عرقيّة في البلاد، لذلك لم يكن أمامها أي خيار آخر، فضحّت بمحمد مهدي الحاج محمدي، رئيس مصلحة السجون الإيرانية، وجعلته يعترف بكامل مسؤوليته عما تم تسريبه من مشاهد عنف بحق المعتقلين، مقدما اعتذاره لـ"المرشد الأعلى وللأمة"، في محاولة لاستدراك الموقف، خاصة أنه يمكن اعتماد هذه الفيديوهات كوثيقة رسمية لإدانة النظام الإيراني بعدما تأكد خبراء من صحتها.
وقد كانت مقاطع الفيديو تلك صادمة للرأي العام العالمي، وتُظهر حقيقة ما يحصل في سجون النظام الإيراني، الذي ينتهك أبسط حقوق الإنسان.
إن استمرار اختراق كاميرات المراقبة ونشر الفظائع، التي تحصل داخل سجن "إيفين"، قد يحاصر طهران أكثر ويؤثر بشكل كبير على مفاوضاتها النووية ويزيد حجم العقوبات المفروضة عليها، خاصة أن منظمة العفو الدولية، ومنظمات أخرى، أخذت هذه المقاطع كدليل دامغ على الضرب والتحرش الجنسي والإهمال المتعمد وسوء معاملة أشخاص يحتاجون إلى الرعاية الطبية، وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك لوقف هذه الممارسات اللا إنسانية.
ما يزيد ارتباك السلطات الايرانية أن المقاطع المنتشرة ليست مسجّلة بشكل سرّي وإنما تمكّن قراصنة من اختراق كاميرات المراقبة في حجرات السجن وكشفوا ما يجري داخلها دون تعديلات، مستغلين ضعف القدرات الرقمية لدى طهران، لذلك لم يستطع الجانب الإيراني نفيها أو تكذيبها، واضطر مرغماً على الاعتذار!
لكن السؤال: هل سيقتنع الغرب باعتذار طهران دون أن تقوم الأخيرة بتحسين ظروف السجناء وتغيير طريقة تعاملها معهم خلف القضبان؟
من الواضح حتى الآن أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا توليان أهميةً كبيرة لملف حقوق الإنسان في إيران، ففي بدايات الشهر الجاري قُتِل معارض كردي إيراني في مدينة أربيل دون أن يدين الغرب هذه الجريمة، التي اتُّهمت بارتكابها استخبارات إيران، ولكن إنْ تغيّر موقف أمريكا وأوروبا مع ضغط الشارع ومنظمات حقوق الإنسان، فسيكون وضع النظام الإيراني محرجا، وربما ستجبَر طهران على اتخاذ تدابير جديّة لتحسين سجونها السياسية لإنقاذ مفاوضاتها النووية مع الغرب في فيينا من جهة، ولتخفيف مشكلاتها الداخلية، التي باتت تطفو على السطح بسبب الحصار الخارجي والممارسات الخاطئة بحق الشعب من جهة ثانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة