مع سيطرة حركة "طالبان" على كابول، تجاوزت التطورات الميدانية مقترحَ الرئيس التركي إلى نظيره الأمريكي بتأمين تركي لمطار "كرزاي".
ذلك المقترح، الذي عرضه الرئيس التركي أمام نظيره الأمريكي على هامش قمة الأطلسي في بروكسل، يونيو الماضي، لكن ذلك لم يمنع تركيا من البحث عن موطئ قدم لها في أفغانستان، مستنفرة كل إمكاناتها الذاتية وأوراقها الإقليمية.
تركيا، التي تدرك جيدا حاجة "طالبان" إلى الانفتاح الدولي عليها، تحاول مد جسور العلاقة مع الحركة عبر مسارات ثنائية وإقليمية.
فعلى المستوى الثنائي، عادت أنقرة لطرح مقترح تأمين مطار حامد كرازي الدولي "شرط موافقة طالبان"، قائلة إن مقترحها هذا سيحقق الأمن والاستقرار في كابول.
في هذا الإطار، يمكن النظر إلى الرسائل الإيجابية، التي يرسلها الرئيس التركي لـ"طالبان" من خلال قوله إن تصريحات قادة الحركة "معتدلة"، مُبديا الاستعداد للتعامل معها، حيث سبق أن أعلن استعداده للقاء زعيم "طالبان"، كتمهيد لاعتراف تركيا بالحركة في المرحلة المقبلة.
وتستخدم تركيا خطابا يقوم على البُعدين الديني والثقافي، وقد قوبل هذا الخطاب بإيجابية من بعض قادة "طالبان"، الذين تحدثوا عن تطلعاتهم إلى إقامة علاقات جيدة مع تركيا.
وعلى المستوى الإقليمي، تراهن تركيا على الدورين القطري والباكستاني في فتح أبواب العلاقة مع "طالبان"، فقطر لعبت دورا مهما في المفاوضات بين الإدارة الأمريكية وبين "طالبان" طوال الفترة الماضية، كما أن باكستان كانت تمثل الدعم العسكري واللوجستي والتنظيمي للحركة منذ هزيمتها على يد القوات الأمريكية قبل عقدين.
في الوقت نفسه، تراهن تركيا على ضوء أمريكي وأوروبي أخضر لتوطيد العلاقة مع "طالبان"، مستغلة عضويتها في الحلف الأطلسي من جهة، ومُشهرة ورقة اللاجئين الأفغان من جهة ثانية.
ورغم أن هذه القضية أثارت السخط في الداخل التركي، فالثابت أن حكومة "العدالة والتنمية" تعرف كيف تستغلها في ابتزاز دول أوروبا للقيام بدور في أفغانستان، فضلا عن الحصول على مزيد من الأموال الأوروبية، كما حصل خلال قضية اللاجئين السوريين في تركيا.
في الواقع، تجد تركيا أنها أمام فرصة مهمة لإقامة علاقة مع "طالبان"، وتحقيق دور إقليمي في هذه المنطقة الحساسة جيوسياسيا، إلا أن الطريق لتحقيق ما سبق محفوف بالعقبات والتحديات الكثيرة، لعل في مقدمتها رفض "طالبان" المعلن لأي وجود أجنبي على الأراضي الأفغانية.
وأمام هذا الرفض فإن المقترح التركي الجديد بتأمين الحماية لمطار كابول قد لا يختلف مصيره عن مصير المقترح الأول، لا سيما أن تركيا دولة عضو في الحلف الأطلسي، كما أن مخاطر كثيرة قد تتعرض لها تركيا إذا تحركت خارج إطار الحلف، في ظل رفض المعارضة التركية إرسال قوات إلى أفغانستان أو بقاء قوات تركية هناك، فلسان المعارضة التركية يقول: لماذا نرسل أولادنا إلى الموت مجانا؟ وكيف لتركيا أن تحقق الأمن والاستقرار في أفغانستان فيما فشلت الولايات المتحدة والحلف الأطلسي في تحقيقهما طوال عقدين ماضيين؟
ثمة تحديات أخرى أمام تركيا في هذا الشأن تتعلق بحساسية القوى الإقليمية المعنية بالملف الأفغاني، لا سيما روسيا والصين، وحتى إيران، إذ إن أي تحرك تركي عملي في أفغانستان قد يدفع بهذه الحساسيات الإقليمية إلى سدة المشهد السياسي، خاصة إيران، لأسباب طائفية وتنافسية على مناطق الجوار الجغرافي، كذلك الأمر بالنسبة لروسيا، إذ إن التحركات التركية الممتدة من أفغانستان إلى أوكرانيا تثير الريبة والحساسية الروسية، كما أن الصين لن تكون مرتاحة لمثل هذا الدور التركي.
بغض النظر عن المنافذ المحتملة لدور تركي إقليمي في أفغانستان والعقبات والتحديات التي تعترض هذا الدور، فإن تركيا باتت تجد في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي ميدانا جديدا لسياستها الإقليمية، ومنطلقا لتعويض خساراتها، لا سيما بعد ما جرى في تونس من إخراج حركة "النهضة" الإخوانية من السلطة، وتعثر جهود المصالحة مع مصر، فمثل هذا الميدان الأفغاني قد يصبح حاجة داخلية للرئيس التركي، الذي كثيرا ما يلجأ إلى قضايا خارجية بحثا عن شعبية تتآكل في الداخل على وقع أزمات متفاقمة، ولعل النظرة التركية إلى الميدان الأفغاني تتجاوز ما سبق، إذ إنها تتعلق بتطلع تركي للقيام بدور "حارس مصالح أفغانستان" في المحافل الدولية مستقبلا، ما يعني بنظر الرئيس التركي تعزيز سياسة تركيا ودورها في الحلف الأطلسي وأمام الولايات المتحدة، فضلا عن تأمين وجود تركي فعال على تخوم آسيا الوسطى.
ويبقى السؤال الأساسي: كيف لتركيا أن تحقق مثل هذا الدور، الذي يتطلب إمكانات هائلة، في وقت تعجز فيه عن حل أبسط مشكلاتها في الداخل؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة