بعد سيطرة "طالبان" على العاصمة الأفغانية، تصرّفت الحركة بشكل مختلف عن ماضيها، فقد أعلنت "عفواً عاماً" لم يكن متوقعاً.
بل وأطلقت "طالبان" سراح بعض المسؤولين الأفغان السابقين، خاصة في إدارة الحكم المحلي، وأعلنت أنها ستحترم حقوق المرأة وحرية الصحافة.
وحسب ما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في الحركة، لم تسمّه، فـ"طالبان" تخطط لإعداد نموذج حكم جديد "لن يكون ديمقراطياً بالتعريف الغربي، لكنه سيحمي حقوق الجميع"، حسب قول المسؤول، الذي أضاف أن "خبراء قانونيين ودينيين وخبراء في السياسة الخارجية في طالبان يهدفون إلى طرح إطار حكم جديد خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
هذا التصريح يعني أن "طالبان" تحاول إقناع العالم بأنها باتت "معتدلة"، ولكن لا بد من الانتظار حتى نرى أفعالاً تؤكد هذا التوجه.
صحيح أن هذه الخطوات تشير إلى "إيجابية طالبان"، لكن المجتمع الدولي يريد أفعالاً على الأرض لا مجرد تصريحات إعلامية قد لا تتحول إلى واقع ملموس، فالمخاوف الدولية هنا مبرّرة، خاصة بعد أن وعدت الحركة بعدم دخولها العاصمة، كابول، قبل إجراء تفاهمات مع الحكومة الأفغانية السابقة، وهذا ما لم يحدث فعليا.
وأيّاً كانت درجة المراجعة والتغيير التي بلغتها "طالبان" في استيعابها دروس العقدين السابقين، فإن الاستيلاء على السلطة ظلّ هدفها الرئيسي، كما كان منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولكنها هذه المرّة لا تريد أن تحكم فحسب، بل أن تبني "دولتها" أو "إمارتها"، بحسب إعلان متحدثها.
يبقى التحدّي الحقيقي أمام "طالبان" هو الإدارة الداخلية للبلاد، في الاقتصاد والتعليم وشؤون المرأة والطفل والعلاقات القَبَلية بين البشتون والإثنيات الأخرى، فذلك هو المحك والحَكَم في ما إذا كان مفهومها للحُكم قد تغيّر أم لا؟، خاصة أن هناك تحديات ستواجهها، أبرزها أنها ليست قوة مركزية ولا موحدة، فإذا كان بعض قادتها يرغبون في عدم إثارة المشكلات مع الغرب، فمتشددون منهم قد لا يوافقونهم الرأي.
أيضاً هناك صراعات داخلية لا تزال غير محسومة في أفغانستان، خاصة بعد ظهور حشود لأحمد مسعود، نجل القيادي الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، بإقليم "بانشير"، شمال شرقي العاصمة، في ظل وجود دعوات لدعم "مسعود" كرمز مقاومة ضد "طالبان".
المهمة صعبة أمام "طالبان" للاندماج في المجتمع الدولي، والمؤشرات حتى الآن لا تزال غامضة، ويمكن القول إن "طالبان" أمام خيارين في حكمها أفغانستان هذه المرّة: إمّا أن تعود إلى تشددها وتدخل في صراع قد يجلب تدخلات إقليمية أو دولية، وقد تُقطع حينها معونات الدول المانحة ليبقى الصراع طاحناً تُستهلك فيه طاقة الشعب الأفغاني لفترة قد تطول، أو أن تصدق "طالبان" في تعهداتها، التي قدمتها في رسائلها التطمينية، أي تحكم بطريقة منسجمة مع القوانين الدولية، وتحترم بشكل عام حقوق الإنسان وكرامة المرأة والأقليات، والأهم عدم وجود أي تنظيمات إرهابية على الأراضي الأفغانية.
الوضع الحالي في أفغانستان لا يزال مبهما في كثير من جوانبه، رغم إمساك "طالبان" بزمام السلطة، والأرض غير ممهدة تماما في كل بقاع أفغانستان للحركة، التي تبدو كأنها ليست "طالبان الأمس"، رغم إعلانها التمسك بفكرها مع تغيير في بعض التفاصيل.
التطمينات الطالبانية لم تقلل مخاوف المجتمع الدولي، الذي لا يزال في حالة ترقّب، ومن الخطأ النظر إلى التطورات في أفغانستان بخفة أو تجاهل، فالتحوط وتقييم الاحتمالات أولوية لأمن المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة