سياسة دولة الإمارات الذكية في تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة لم تأتِ من فراغ.
تدرك دولة الإمارات العربية المتحدة أنها تعيش في عالم يتطلب تنويع خيارات تحركها على الساحة الدولية والعمل على بناء شراكات استراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية، والانفتاح على التجارب الاقتصادية الناجحة، والاستفادة مما تتيحه من فرص في تعزيز نهضتها الشاملة في المجالات كافة.
وهذا ما جسّدته بوضوح الجولة الآسيوية الناجحة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى كل من جمهوريتي كوريا الجنوبية وسنغافورة، والتي أسفرت عن تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الدولتين الصديقتين، والارتقاء بمسار العلاقات معهما في المجالات كافة .
سياسة دولة الإمارات الذكية في تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة، لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت نتيجة الموقع المحوري الذي أصبحت تحتله الإمارات في مجال العمل التنموي على الساحة الدوليّة، بحيث أصبح ينظر إليها على أنها صاحبة تجربة مميزة في مجال التنمية
لقد توجت زيارة سموه لكوريا الجنوبية بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن "الحوار الاستراتيجي الخاص"، فضلاً عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات وعلى رأسها اتفاقية ترسية عقد تنفيذ الأعمال الهندسية والمشتريات لبناء أكبر مشروع منفرد في العالم تتم ترسيته لتخزين النفط بسعة تبلغ 42 مليون برميل من النفط الخام في إمارة الفجيرة، على الساحل الشرقي للدولة، بقيمة 4.4 مليار درهم، وهي الاتفاقية التي تنطوي على أهمية استراتيجية كبيرة، إذ إنها ستعزز من الدور الذي تقوم به الإمارات في تأمين تدفقات النفط إلى الأسواق العالمية وبأسعار متوازنة، وذلك في مواجهة التهديدات العبثية التي تطلقها إيران من آن لآخر بإغلاق مضيق هرمز كلما تعرضت لضغوط سياسية أو عقوبات أمريكية رداً على سياساتها التدخلية والعدائية والتخريبية في المنطقة، فهذه الاتفاقية التي تتيح تخزين النفط بسعة تبلغ 42 مليون برميل من النفط الخام تقدم بديلاً آمناً يمكنه الحفاظ على تزويد الأسواق العالمية بالكميات الضرورية من النفط في أوقات الأزمات، خاصة أن المنشأة الجديدة التي سيتم تخزين النفط خلالها تم بناؤها تحت الأرض وتوفير كل إجراءات الأمان لها.
إن المتتبع للتطور المتنامي في علاقات الإمارات مع كوريا الجنوبية خلال العقدين الماضيين يدرك ما تشكله من أهمية كبيرة بالنسبة لدولة الإمارات، وليس أدل على ذلك من أن الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأخيرة لها تعد الخامسة ضمن سلسلة الزيارات التي قام بها خلال السنوات الماضية، والتي كان لها عظيم الأثر في التأسيس لشراكة استراتيجية قوية بين الدولتين في المجالات المختلفة كالتجارة والاستثمار والبناء والبنية التحتية والطاقة والصناعات الدفاعية والعسكرية، وكذلك في الزراعة والطب والصحة والعلوم والتكنولوجيا وتقنيات الفضاء، وهي المجالات التي تواكب توجه الإمارات نحو الانتقال إلى مرحلة ما بعد عصر النفط، والتي تستهدف خلالها إقامة اقتصاد قائم على المعرفة تقوده كفاءات إماراتية مواطنة.
فكوريا الجنوبية، كما هو معروف، تقدم نموذجاً للدول التي استطاعت أن تحقق معدلات نمو هائلة، لأنها اعتمدت في بناء اقتصادها على المعرفة عن طريق التركيز على الصناعات الإلكترونية المتطورة التي لا تتطلب مواد أولية كثيرة، كما اعتمدت على موارد الطاقة المتجدّدة، واستثمرت في التعليم والبحث العلمي، ومن ثم فإن تعزيز الشراكة الاستراتيجية معها يمثل قيمة مضافة للاقتصاد الإماراتي، ودعماً لخطط التنمية الداخلية التي تستثمر في القطاعات النوعية الجديدة.
كما أسست زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى جمهورية سنغافورة الصديقة لشراكة استراتيجية بين الدولتين، حيث تم الاتفاق خلال هذه الزيارة على رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الشاملة التي تربط دولة الإمارات وجمهورية سنغافورة لتكون بمنزلة إطار لتعميق مجالات التعاون القائمة، مع تحفيز مجالات جديدة تصب في مصلحة المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة للبلدين، حيث تتضمن هذه الشراكة التزام الدولتين بدعم الزخم الجيد للزيارات رفيعة المستوى، والعمل على تعزيز روابط استثمارية أقوى، وصياغة تعاون اقتصادي أوثق، وهو أمر اتضح جلياً من خلال إنشاء "مجلس الأعمال الإماراتي السنغافوري" الذي سيسهم في تمكين الشركات في سنغافورة والإمارات من الاستفادة من علاقات الاتصال والإمدادات اللوجستية بين البلدين في استكشاف الفرص التجارية القابلة للتطبيق في منطقتيهما، هذا فضلاً عن تعزيز التعاون بين الدولتين في مجالي الدفاع والأمن، ليشمل المجالات ذات المنفعة المتبادلة، من خلال استكشاف سبل تعميق الارتباط من خلال إجراء التبادلات في مجالي الدورات العسكرية والدفاع المدني، والشرطة، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة التطرف العنيف، والأمن الإلكتروني. لقد عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال زيارة سنغافورة ولقائه الرئيسة حليمة يعقوب، عن اهتمام الإمارات بالتجربة التنموية السنغافورية، والتعرف على مقومات وعوامل تميزها ونجاحها، وهذا إنما يؤكد حرص سموه على الاستفادة من هذه التجربة الناجحة التي تصنف باعتبارها واحدة من أهم التجارب الاقتصادية الناجحة في العالم.
إن الجولة الآسيوية الناجحة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى جمهوريتي كوريا الجنوبية وسنغافورة وما توجت به من اتفاقيات نوعية في المجالات التي تخدم توجه الإمارات نحو اقتصاد المعرفة، إنما تؤكد في جوهرها أن السياسة الخارجية الإماراتية تمضي بخطى ثابتة وواثقة نحو فتح آفاق أرحب في تحركاتها الخارجية من أجل بناء وتعزيز الشراكات مع القوى الإقليمية الصاعدة على الخارطة العالمية، وتعظيم الاستفادة من تجاربها التنموية في دعم مسيرة التنمية في دولة الإمارات، وهذا خير شاهد على حيوية وكفاءة السياسة الخارجية للإمارات، ليس فقط لأنها نجحت في بناء تعاون وصداقه وتفاهم مع دول العالم المختلفة، وإنما أيضاً لأن مخرجات هذه السياسة تصب دوماً في دعم الاقتصاد الوطني وخطط التنمية الداخلية.
ولا شك في أن سياسة دولة الإمارات الذكية في تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة لم تأت من فراغ، وإنما جاءت نتيجة الموقع المحوري الذي أصبحت تحتله الإمارات في مجال العمل التنموي على الساحة الدوليّة، بحيث أصبح يُنظر إليها على أنها صاحبة تجربة مميزة في مجال التنمية تجعلها قوّة مؤثّرة تحرص القوى الإقليمية والدولية على تعزيز العلاقات والشراكات معها، لأنها ترسخ يوماً بعد الآخر مكانتها ضمن القوى الإقليمية الصاعدة على خارطة الاقتصادات المتقدمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة