أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إجراء "إصلاحات اقتصادية" جديدة مطلع الأسبوع الحالي.
وهي المرة الثالثة التي يعلن فيها عن مثل هذه ا"لإصلاحات" منذ نحو خمسة أشهر والتي استبقت في آخر مرتين، إقالته لمحافظين للبنك المركزي، في محاولةٍ منه للتغلب على أزمة العملة التي تعاني منها بلاده والتي أثقلت كاهل البنوك والأسواق المالية والسكان أيضاً.
لقد أقال الرئيس التركي الذي يقود أيضاً حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، محافظ البنك المركزي ناجي إقبال قبل أيام، رغم أنه نجح في تحقيق بعض الاستقرار في سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، بعدما فقدت عام 2020 الماضي نحو 30% من قيمتها، ومع ذلك تخلى عنه أردوغان وعيّن شهاب كاوجي أوغلو بدلاً منه ومن ثم تحدّث مجدداً عن إصلاحاتٍ اقتصادية.
إن السبب الأبرز لإقالة محافظ البنك المركزي لا علاقة له على ما يبدو بما اتخذه من قراراتٍ مالية حين كان على رأس عمله خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن علاقة إقبال بصهر الرئيس التركي ووزير ماليته السابق بيراءت ألبيراق لم تكن على ما يرام البتة، فهو لم يكن يتفق مع معظم مشاريع ألبيراق، الأمر الذي لا يخفيه المقرّبون من كلا المسؤولين.
وبالتالي، ليس مستبعداً أن يكون الرئيس التركي كان قد تخلى عن إقبال، بهدف التمهيد لإعادة صهره ألبيراق مرةً أخرى إلى الواجهة، لا سيما أن تسريباتٍ كشفت عن نيته تلك، وهو الذي لم يتردد طيلة الفترة الماضية بالدفاع عنه حينما اتهمت الأحزاب المعارضة ألبيراق بتبديد مليارات الدولارات في السنوات التي تولى بها منصب وزارة المالية.
اللافت أيضاً أن شهاب كاوجي أوغلو المحافظ الجديد للبنك المركزي، وهو مصرفي سابق ونائب في البرلمان التركي عن الحزب الحاكم، لا يتمتع بخبرات مثل التي لدى سلفه إقبال، ورغم ذلك لم يتردد أردوغان بتعيينه في هذا المنصب الحسّاس، ما يعني أن هذه الخطوة قد تكون تمهيداً لإعادة ألبيراق إلى الأضواء مجدداً إذا ما فشل كاوجي أوغلو في مهمته الصعبة وهي المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية.
بكل الحالات، شهدت الليرة التركية تراجعاً بلغ 15% من قيمتها في اليوم الأول من تعيين كاوجي أوغلو قبل أن تسجّل تحسّناً ضئيلاً، وقد عرّض هذا التراجع الرئيس التركي لانتقاداتٍ حادة من حلفائه السابقين مثل الوزير السابق ونائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان الذي تساءل باستهزاء عن عدم تعيين أردوغان لنفسه محافظاً للبنك المركزي!
وعلى الرغم من هذه الانتقادات، لم يتوقف أردوغان عن ضرب الأخماس بالأسداس، فهو من جهة أقال محافظ البنك وعيّن بديلاً عنه، ومن جهةٍ أخرى عاود الحديث عن إصلاحاتٍ اقتصادية. وللمفارقة أنه اعتمد في إدارة البنك المركزي على محافظٍ أقل خبرةٍ من سلفه، وذلك في وقتٍ يحاول فيه أصحاب رؤوس الأموال نقل مشاريعهم واستثماراتهم من تركيا تجنباً لمزيدٍ من الخسائر، وهو ما يعني فعلياً استمرار تدهور الليرة التركية والمزيد من التضخم والبطالة إن لم يخرج حزب أردوغان من المشهد السياسي في تركيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة