حزب أردوغان في الانتخابات المحلية.. أسباب السقوط وتداعيات الاختبار
هزيمة كبيرة في الانتخابات المحلية، جعلت "الرجل القوي" أردوغان يواجه أشد انتكاسة انتخابية منذ صعوده إلى السلطة قبل عقدين من الزمن.
ففي الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد، أمس الأحد، احتفظت المعارضة بسيطرتها على المدن الرئيسية وحققت مكاسب ضخمة في أماكن أخرى، في مفاجأة كبيرة للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان يضع نصب عينيه استعادة السيطرة على تلك المناطق الحضرية.
وفي إسطنبول، أكبر مدينة ومركز اقتصادي بتركيا، تقدم عمدة المدينة الحالي، أكرم إمام أوغلو، من حزب الشعب الجمهوري، بفارق كبير على منافسه من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وأظهرت النتائج أن منصور يافاش، عمدة العاصمة أنقرة، احتفظ هو الآخر بمقعده بفارق مذهل قدره 25 نقطة عن منافسه من الحزب الحاكم.
وبشكل عام، فاز حزب الشعب الجمهوري ببلديات 36 من محافظات تركيا البالغ عددها 81 مقاطعة، مما شق طريقه إلى العديد من معاقل حزب أردوغان.
وحصل "الشعب الجمهوري" على 37% من الأصوات على مستوى البلاد، مقارنة بـ36% لحزب الرئيس، وهو ما يمثل أكبر انتصار انتخابي للمعارضة منذ وصول أردوغان إلى السلطة قبل عقدين من الزمن.
أسباب خسارة حزب أردوغان
يرى سنان أولجن، مدير مركز إيدام للأبحاث ومقره إسطنبول، أن "النتيجة المفاجئة" ترجع إلى رغبة الناخبين في معاقبة الحزب الحاكم بسبب "عمق الضائقة الاقتصادية".
وقال أولجن لوكالة "أسوشيتد برس" إن أنصار حزب العدالة والتنمية اختاروا الابتعاد عن مراكز الاقتراع أو صوتوا لأحزاب أخرى.
وهو ما ذهبت إليه سيلين ناسي، الزميلة الزائرة في المعهد الأوروبي بكلية لندن للاقتصاد، التي اعتبرت أن الانتخابات تشير إلى أن العوامل الاقتصادية تغلبت على تنوع سياسات الهوية التي ينتهجها أردوغان.
وتواجه تركيا تضخما مرتفعا منذ عدة سنوات، ووفقا للأرقام الرسمية، لا تزال الأسعار ترتفع بنسبة 67 بالمئة سنويا.
وقالت ناسي لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية: "لقد عاقب الناخبون المحافظون حزب العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع بسبب أزمة تكلفة المعيشة".
ولفتت إلى أن حزب الشعب الجمهوري توسع إلى ما هو أبعد من معاقله الساحلية، وزاد من أصواته في قلب الأناضول في تركيا.
ووفق الخبيرة نفسها، فإن هذه الانتخابات لن "تضخ حياة جديدة في حزب الشعب الجمهوري فحسب، بل ستعزز أيضا موقف إمام أوغلو، الذي فاز سابقا بمنصب عمدة مدينة إسطنبول مرتين في عام 2019 بعد أن ألغت السلطات انتخابه الأولي.
وتابعت في الجزئية الأخيرة "إنه السياسي الوحيد الذي نجح في التغلب على أردوغان ثلاث مرات".
سبب آخر ساهم في تراجع الحزب الحاكم، تمثل في اجتذاب حزب الرفاه الجديد أصواتا من أنصار حزب العدالة والتنمية الذين أصيبوا بخيبة أمل إزاء طريقة تعامل الحكومة مع الاقتصاد. وفق مراقبين
وعن انخفاض نسبة المشاركة يشرح أولجن "كانت هناك تحولات بين الأحزاب في التصويت، وهو ما لم يحدث في الانتخابات الوطنية بسبب الارتباطات الأيديولوجية القوية. هذه المرة ساد الاقتصاد على الهوية».
وكان نحو 61 مليون شخص، بمن فيهم أكثر من مليون ناخب لأول مرة، مؤهلين للإدلاء بأصواتهم لجميع بلديات المدن الكبرى ورؤساء البلديات والمناطق وكذلك إدارات الأحياء.
وبلغت نسبة المشاركة حوالي 76%، وفقا لوكالة الأناضول التي تديرها الدولة، مقارنة بنسبة 87% العام الماضي.
اعتراف بالهزيمة ومقياس للشعبية
واعترف أردوغان بالنكسة الانتخابية في خطاب ألقاه من شرفة القصر الرئاسي، ووعد بالاستماع إلى الرسالة التي يوجهها الناخبون الأتراك.
وقال: “31 مارس (أذار) ليس النهاية بالنسبة لنا، بل نقطة تحول”. مضيفا الشعب أوصل "رسالة" مفادها أن حزبه "سيحللها" من خلال الانخراط في نقد ذاتي "شجاع".
وتابع “للأسف، بعد تسعة أشهر من فوزنا في انتخابات 28 مايو/أيار (الرئاسية)، لم نتمكن من الحصول على النتيجة التي أردناها في اختبار الانتخابات المحلية”. "سنصحح أخطاءنا وعيوبنا".
وتعهد أردوغان بالمضي قدما في البرنامج الاقتصادي الذي تم تقديمه العام الماضي والذي يهدف إلى مكافحة التضخم.
ويرى مراقبون أن التصويت مقياس لشعبية أردوغان في سعيه لاستعادة السيطرة على المناطق الحضرية الرئيسية التي خسرها أمام المعارضة في الانتخابات قبل خمس سنوات.
وكانت ساحة المعركة الرئيسية للرئيس التركي البالغ من العمر 70 عاما هي إسطنبول، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، حيث ولد ونشأ وحيث بدأ حياته السياسية كرئيس للبلدية في عام 1994.
المعارضة من التفكك للصعود
يقول مراقبون إن النتيجة جاءت بمثابة دفعة للمعارضة، التي كانت منقسمة ومحبطة بعد الهزيمة أمام أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام الماضي.
وأمام حشد من أنصاره المبتهجين بالنتائج، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل "لقد قرر الناخبون إنشاء نظام سياسي جديد في تركيا".
وأضاف: "اليوم، قرر الناخبون تغيير الصورة المستمرة منذ 22 عاما في تركيا وفتح الباب أمام مناخ سياسي جديد في بلادنا".
أما إمام أوغلو، الذي يوصف بأنه منافس محتمل لأردوغان في المستقبل، فقد خاض الانتخابات دون دعم بعض الأحزاب التي ساعدته على الفوز في عام 2019.
وتفكك تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب بقيادة حزب الشعب الجمهوري بعد فشله في الإطاحة بأردوغان في انتخابات العام الماضي،
ويُرجع محللون سبب خسارة المعارضة في الانتخابات الماضية، إلى عدم قدرتها على الاستفادة من الأزمة الاقتصادية واستجابة الحكومة الضعيفة في البداية للزلزال المدمر الذي وقع العام الماضي وأدى إلى مصرع أكثر من 53 ألف شخص.
وفي هذا الصدد، اعتبر أولجن أن "هذه النتيجة بالتأكيد نقطة تحول بالنسبة لإمام أوغلو". وأضاف: "سيظهر كمرشح طبيعي للمعارضة للجولة المقبلة من الانتخابات الرئاسية.
وكذلك الأمر بالنسبة لأوتكو جاكيروزر، عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، الذي أشاد بالنتيجة باعتبارها تحذيرا من الناخبين لحزب العدالة والتنمية.
وقال لمجلة بوليتيكو: "لقد أعطى الناخبون بطاقة صفراء للحكومة"، معتبراً أنه في ظل الدعم الهائل خلف المعارضة، فإنه يرى الآن أن إجراء انتخابات مبكرة أكثر احتمالا.
aXA6IDMuMTQ1LjEwMy4xMDAg جزيرة ام اند امز