إن الهدف الوحيد من زيارة أردوغان إلى قطر يؤكد أن أمد الأزمة سيطول لمحاولة الاستفادة القصوى من تبعاتها اقتصاديا.
سألني أحد الأصدقاء معلقا على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدوحة: "هل يستطيع المساعدة في حل أزمة قطر؟"؛ فأجبته بسؤال آخر مصحح ومستدرك وقلت: "هل تعتقد أن من مصلحة الرئيس أردوغان حل أزمة قطر؟".
فالمصالح باتت الدافع الوحيد لتحديد السياسة الخارجية التركية في الأشهر الأخيرة على حساب أي عواطف أو نوايا حسنة، وأحسن دليل على ذلك ما يحدث في سوريا من تعاون تركي مع من كانت تعتبرهما أنقرة "عدو الشعب السوري" وهما إيران وروسيا، من أجل إنقاذ مصالحها الأمنية، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة المعارضة السورية التي خرجت وتأسست ثم تعسكرت في حضن تركيا.
واقع الحال يقول إن أنقرة مستفيدة اقتصاديا من أزمة قطر، وواقع حال المصالح يقول إن طول عمر هذه الأزمة يزيد من الاعتماد القطري على الشريك التركي اقتصاديا.
فجمعية المصدَرين الأتراك قالت في تقريرها الأخير الصادر في بداية نوفمبر الجاري إن صادرات تركيا إلى قطر في الأشهر الأربعة الأخيرة زادت بنسبة 90% عن صادرتها في الفترة نفسها من العام الماضي.
واقع الحال يقول إن أنقرة مستفيدة اقتصاديا من أزمة قطر، وواقع حال المصالح يقول إن طول عمر هذه الأزمة يزيد من الاعتماد القطري على الشريك التركي اقتصاديا.
كما أن الرئيس أردوغان أعلن من الدوحة استعداد شركات بلاده مساعدة الحكومة القطرية في مشاريع مونديال 2022 في قطر، في سعى لزيادة حصة الشركات التركية من تلك المشاريع، بعد ظهور مؤشرات على احتمال تعثّر شركات أجنبية عدة في تلبية التزاماتها في قطر بسبب الأزمة الحالية.
إذاً، فالناظر بتجرد إلى مصلحة تركيا الاقتصادية يرى أن طول عمر الأزمة القطرية يصب في مصلحة الشركات التركية، وخصوصا تلك الشركات التي يمتلكها رجال أعمال مقربون من حزب العدالة والتنمية الحاكم الذين يظفرون بأهم المناقصات والمشاريع بدعم من الحكومة وعلاقاتها الخارجية، وهذه الشركات بدورها تلعب دورا بارزا في دعم الحملات الانتخابية ماليا للحزب والرئيس أردوغان.
إلى جانب ذلك، فإن التطورات والتصريحات التي صدرت عن أنقرة قبل أيام قليلة من الزيارة لا تصب أبدا في مصلحة أي "وساطة" أو تهدئة للأجواء؛ فأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني شن هجوما لفظيا قويا على دول المقاطعة الداعية لمحاربة الإرهاب قبل يومين فقط من زيارة الرئيس أردوغان.
كما وجَه الرئيس أردوغان انتقادا لاذعا وغير مفهوم أو مبرر لسياسات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في مجال الإصلاح، منتقدا حديث الأمير "عن الإسلام المعتدل". حيث قال أردوغان: "إن هذا المصطلح غربي بحت ولا يوجد شيء اسمه إسلام معتدل؛ فالإسلام هو الإسلام، وما علاقة الإسلام بمنع المرأة من قيادة السيارات في تلك الدولة".
أردوغان تناسى أن تركيا تغذت سياسيا لأعوام على مصطلح "الإسلام المعتدل" الذي حاولت من خلاله الترويج لأحزاب الإسلام السياسي وجماعة الإخوان في المنطقة أثناء أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وأن شعار الإسلام المعتدل كان شعار حزب العدالة والتنمية الذي حاول أن يروج لنفسه على أنه "نموذج" لدمج التيارات الإسلامية في السياسة ومصالحتها مع النظام الديمقراطي.
كما تجاهل الرئيس أردوغان أن ما قصده الأمير محمد بن سلمان بالإسلام المعتدل هو ضرب التطرف الذي يتخذ من الإسلام ذريعة لنشر الإرهاب والتحريض عليه ليس إلا.
كما شنت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة حملة صحفية ضد الأمير محمد بن سلمان وسياساته، بترجمة العديد من الأخبار والمقالات المنشورة في المواقع والصحف القطرية والإخوانية، قبل وخلال زيارة الرئيس أردوغان لقطر، وكثير من المحللين الأتراك في مقالاتهم في الصحف المحلية يرون أن تركيا تقف بوضوح إلى جانب قطر ولا تأخذ موقفا محايدا يؤهلها للعب أي دور للوساطة.
خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى قطر تم التوقيع على عشر اتفاقيات جديدة، من التعاون في الإعلام إلى التكنولوجيا وغيرها، وزار الرئيس أردوغان قاعدة طارق بن زياد القطرية؛ حيث يتمركز نحو 250 عسكريا تركيا يشكلون نواة لقاعدة عسكرية تركية هناك. ومع وجود فيتو أمريكي صريح فإن أنقرة تمتنع -حتى الآن- عن زيادة عدد جنودها في تلك القاعدة، وتركز على التعاون الاقتصادي مع قطر.
كذلك جاءت زيارة الرئيس أردوغان بعد أسابيع من زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون للسعودية وقطر وتصريحه الشهير بأنه "ليس لدى واشنطن حل تفرضه على أطراف الأزمة القطرية، وأن على أطراف الأزمة حل هذه الأزمة بأنفسهم" وهو تصريح نسف جميع الآمال القطرية بتدخل أمريكي أو ضغط لحل الأزمة. وعليه فإن أي طرف يسعى أو يرغب في انتهاء هذه الأزمة طريق واحد وهو توجيه النصيحة للدوحة للتجاوب مع مطالب الدول الأربع والالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة عامي 2013 و2014 بين الدوحة والدول الخليجية.
وطالما أن هذه النصيحة لم تكن على أجندة زيارة الوفد التركي إلى الدوحة؛ فإن الهدف الوحيد من هذه الزيارة يبقى البناء على أن أمد هذه الأزمة سيطول، ومحاولة الاستفادة القصوى من تبعاتها اقتصاديا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة