من ينتصر.. الصلف التركي أم الكرامة الأوروبية؟
إثارة النعرات القومية رهان سهل للحشد من أجل تمرير تعديلات مثيرة للجدل
الانقسام الحاد في الشارع التركي بشأن التعديلات الدستورية المزمع الاستفتاء عليها منتصف أبريل يستلزم خلق أجواء معركة
دخلت تركيا حربا دبلوماسية مع أوروبا، يعتقد طيف واسع من المراقبين أن موعد انقضائها سيكون مساء 16 أبريل/نيسان المقبل، حين يفرغ الأتراك من الاستفتاء على تعديلات دستورية توسع من صلاحيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ما يبدو خلافيا يرتبط بما إذا كانت أنقرة افتعلت الأزمة مع أوروبا أم أنها عمدت إلى استغلالها لضمان الفوز في استفتاء تشير استطلاعات الرأي إلى أن تمريره لن يكون يسيرا.
وتسعى السلطات الحاكمة في تركيا إلى تمرير تعديلات دستورية من شأنها فرض نظام الحكم الرئاسي في البلاد بدلا من نظام الحكم البرلماني القائم منذ إعلان الجمهورية التركية على يد مصطفى أتاتورك عام 1923.
ونجح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في تمرير مشروع التعديلات الدستورية في البرلمان بعد أن أمن موافقة نواب حزب الحركة القومية فيما عارضها حزب الشعب الجمهوري، وحزب ديمقراطية الشعوب، اللذان يتهمان أردوغان بسعيه لإقامة حكم الفرد الواحد.
ويقول الدكتور بشير عبد الفتاح، الباحث المتخصص في الشؤون التركية لـ"العين" إن أردوغان يدرك جيدا الانقسام الحاد في الشارع التركي بشأن التعديلات الدستورية المقترحة.. لهذا فهو يبحث عن مخرج لضمان تمرير تلك التعديلات عبر أزمة مفتعلة لإثارة النعرات القومية".
واشتعلت أزمة دبلوماسية بين أنقرة وأمستردام بعد أن رفضت الأخيرة السماح لوزراء أتراك بالمشاركة في تجمعات مؤيدة للرئيس التركي على أراضيها، بهدف جمع أصوات مؤيدة للتعديلات الدستورية.
وسبقت الأزمة التركية الهولندية، أزمة أخرى مع ألمانيا التي منعت إقامة مؤتمرات لأنصار الرئيس التركي كانت مخصصة لحشد تأييد الأتراك للموافقة على التعديلات الدستورية، التي تدخل حيز التنفيذ عام 2019 في حال أقرها الاستفتاء، ومن شأنها أن توسع صلاحيات الرئيس التركي، حيث سيستطيع تعيين نواب له، ووزراء، ومسؤولين رفيعي المستوى.
ويشير عبد الفتاح إلى أن حرب التصريحات القائمة بين مسؤولين أتراك وأوروبيين، مدفوعة برغبة الرئيس التركي في التصعيد، لافتا إلى أن موقف أوروبا كان واضحا من البداية بشأن استضافة وزراء أتراك لكن رغم ذلك دفع أردوغان لتأجيج الأزمة ومحاولة فرض الأمر الواقع، وهو أمر يحقق أهدافه سواء منعت البلدان الأوروبية المسؤولين من دخول أراضيها أو تراجعت.
وامتدت الأزمة أخيرا لتضم النمسا لكل من ألمانيا وهولندا والدنمرك والسويد وسويسرا.
وقال المستشار النمساوي كريستيان كيرن، إنه سيحاول منع وزراء أتراك من حشد تأييد مواطنيهم في النمسا، بعد أن منعت هولندا بالفعل وزيرة تركية من الحديث هناك.
وبسؤاله عما ستفعل الحكومة النمساوية إذا حاول وزير تركي حشد تأييد أتراك النمسا لاستفتاء أبريل/نيسان، قال المستشار كيرن: "سنحاول منع هذا لأسباب تتعلق بالأمن العام".
وهدد أردوغان، الاثنين، بفرض عقوبات على هولندا وإحالتها إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ووصف الحكومة الهولندية "بفلول النازيين"، وبعد ذلك وقعت اشتباكات عنيفة في شوارع هولندا.
ويتفق مصطفى زهران الباحث في الشؤون التركية مع أن الأزمة الراهنة ستنتهي في منتصف أبريل/نيسان، لكنه يرى أن السلطات التركية تمكنت فقط من استغلال الأزمة لصالحها، لكنها لم تدفع إليها.
ويشير زهران إلى أن لدى أنقرة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت العام الماضي، شعور بتردد أوروبي تجاه الموقف من تلك المحاولة، ويقول لـ"العين" إن "المقاربة الأوروبية للانقلاب الفاشل عمق شعور أردوغان بأنها تقف ضده، خاصة مع استضافتها لأنشطة المعارضين للاستفتاء وأكثر من هذا الحرية التي منحتها لعناصر حزب العمال الكردستاني".
وتبدو قضية اللاجئين إحدى الأوراق التي استطاعت تركيا استغلالها في علاقتها مع الدول الأوروبية، ويوم الاثنين الماضي، دعا وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا، عمر تشيليك إلى "إعادة النظر" في الاتفاق التاريخي الموقع مع الاتحاد الأوروبي، لوقف تدفق المهاجرين إلى أراضيه، مع ارتفاع حدة التوتر بين بلاده وأوروبا على خلفية منع هولندا وزيرين تركيين من القدوم إلى أراضيها.
وقال تشيليك، في تصريحات له إنه "على الحكومة التركية إعادة النظر في مسألة العبور البري"، التي ينص عليها اتفاق الهجرة الموقع مع الاتحاد الأوروبي في 18 مارس/آذار 2016.
الأمر نفسه لوح به نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي، كبير المتحدثين باسم الحكومة، قائلا إن أنقرة ربما تعيد تقييم اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي بشأن وقف تدفق المهاجرين من الشواطئ التركية إلى أوروبا.
وأعلن نائب رئيس الوزراء التركي أن بلاده ترفض عودة السفير الهولندي إلى حين تلبية الشروط التي طرحتها أنقرة لحل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وبينما تتزايد حدة التصريحات المتبادلة بين الأتراك وقادة أوروبا، والتي كانت مناسبة لكي تصحح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل المعلومات التاريخية لأردوغان حول علاقة هولندا بالنازية، يبحث المسؤولين في أنقرة على ما يبدو في السيناريوهات المحتملة لطي الأزمة بعدما تظهر نتائج الاستفتاء التي ستظهر على الأرجح من فاز في معركة لن تقع أبدا.
aXA6IDMuMTQ1LjE2Ny41OCA= جزيرة ام اند امز