ماذا يعني فوز أردوغان لتركيا والعالم؟
وصفها أردوغان بأنها "رائعة" واعتبرها كليجدار أوغلو "غير عادلة"، انتخابات الرئاسة التركية التي أظهرت أن عصر زعيم "العدالة والتنمية" ما زال قائما.
ففي كلتا الحالتين يقول مراقبون إن الانتخابات الرئاسية، التي جرت بجولتيها الأولى (14 مايو/أيار) والثانية (28 مايو/أيار)، كانت التحدي الأكبر لتفوق الرئيس رجب طيب أردوغان منذ صعوده إلى السلطة في تركيا قبل عقدين من الزمن.
وفي المشهدين أيضا رسمت الانتخابات نجاح أردوغان في النجاة من أكبر اختبار لقيادته، بالنظر إلى حالة الاقتصاد التركي، والغضب العام المستمر من الاستجابة للزلازل المدمرة التي شهدتها البلاد في فبراير/شباط الماضي.
ليعود الرجل إلى الرئاسة مرة أخرى، بعد فوزه بجولة الإعادة التي شهدتها تركيا، أمس الأحد، بحصوله على 52% مقابل 48% لزعيم تحالف المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
وظل أردوغان على رأس تركيا منذ عام 2003، أولا كرئيس للوزراء ثم رئيسا للبلاد منذ عام 2014، ليفوز بخمس سنوات أخرى جنبا إلى جنب، مع اكتساح الانتخابات البرلمانية في 14 مايو/أيار، والتي أسفرت عن حصول الأحزاب اليمينية المتطرفة واليمينية الموالية له على أغلبية صلبة في البرلمان.
لكن السؤال الذي يراود الكثيرين الآن هو ماذا سيفعل أردوغان بهذا النصر؟ وماذا يعني انتصاره بالنسبة لمستقبل تركيا وكذلك العالم؟
بالنسبة لصحيفة "الغارديان" البريطانية تحدثت هنا عن الاقتصاد التركي واللاجئين، وموقف تركيا على الساحة التركية.
سونر كاجابتاي، الزميل الأول في معهد واشنطن للأبحاث في الولايات المتحدة، رأى في حديثه للغارديان، أنه "لن يكون هناك تغيير حقيقي في المسار في تركيا".
لكن ضياء ميرال، الزميل المشارك الأول في معهد رويال يونايتد للخدمات (RUSI)، فيقول "إذا كنت ترى ما يحدث في تركيا مجرد تلاعب بالدولة فأنت تتجاهل الدعم الاجتماعي الواسع حقا لما يمثله أردوغان".
مضيفا في هذه الجزئية "القوميون والإسلاميون والمحافظون الدينيون وأولئك الذين ينظرون إليه ببساطة على أنه الشخص الموثوق به الذي يمكنه تغيير الأمور يمكن أن يدعموه جميعا بشكل مريح".
السياسة مع الغرب
على صعيد العلاقات مع الخارج، يرى ميرال أنه في حين كانت هناك مؤشرات على أن الدول الغربية قد أحجمت عن الانتقاد العلني لأردوغان، فإن "الحقيقة هي أن العلاقات وصلت بالفعل إلى أدنى مستوى تاريخي مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا".
غير أن السؤال الأكثر إلحاحا، من وجهة المتحدث نفسه، هو ما إذا كان أردوغان سيستمر في معارضة انضمام السويد إلى الناتو، معربا عن اعتقاده في أنه قد يتخذ موقفا أكثر عرقلة بالنظر إلى قوة القوميين المتطرفين المتشككين في الحلف الأطلسي في البرلمان.
وتابع "يأتي ذلك مصحوبا بالعلاقات التركية الأمريكية، خاصة في حال حصل تقدم في واشنطن بشأن بيع طائرات F-16 المقاتلة التي تريدها تركيا، أو إذا استضاف الرئيس جو بايدن أردوغان في البيت الأبيض".
بيْد أن الثابت برأيه هو أن أردوغان سيواصل محاولاته لإيجاد استثمارات جديدة للاقتصاد التركي من قبل دول في الشرق الأوسط، مع الهدف القديم المتمثل في عضوية الاتحاد الأوروبي.
كما سيستمر أردوغان أيضا في احتلال مكانة فريدة كزعيم في قوة الناتو التي تحافظ على العلاقات مع روسيا.
فأردوغان -يضيف ميرال- "لديه النفوذ في حال كان لدى الناتو أي طلب محدد من موسكو، كما هو الحال مع صفقة الحبوب الأوكرانية".
الاقتصاد
رفض أردوغان رفع أسعار الفائدة على الرغم من التضخم الهائل، وأصرّ على أن سياسته سوف تتعامل مع المشكلة في تحد للعقيدة الاقتصادية.
خلال الحملة الانتخابية، كما وعد كليجدار أوغلو باتباع نهج أكثر تقليدية، ألمح الرئيس أردوغان إلى أنه قد يغير مساره.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي التركي في حديثه الذي طالعته "العين الإخبارية" في الصحيفة البريطانية "لا أرى أن ذلك يتغير، فأردوغان قدم تعهدات باهظة الثمن أثناء حملته، بما في ذلك زيادة الأجور بنسبة 45% لـ700 ألف عامل في القطاع العام ومئات الآلاف من المنازل الجديدة في المناطق التي دمرها زلزال فبراير/شباط، سيكون هناك الكثير من الاقتراض لتمويلها، ولكن سيكون هناك في النهاية مشروع قانون لتلك السياسة".
الأكراد
كان يُنظر إلى الأقلية الكردية في تركيا على أنها مهمة لآمال كليجدار أوغلو في النصر.
ويرجع ذلك إلى أنه منذ عام 2015 وانهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني -الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية- يقول الأكراد إن السلطات الأمنية شنت حملة اعتقالات واسعة النطاق في صفوفهم.
وفيما يخشى بعض الأكراد من تصعيد تجاههم قلل ميرال من شأن ذلك، بقوله "لا أعتقد أن الأمور ستزداد سوءا". مستدركا "لكن هناك بالفعل مخاوف جدية للغاية بشأن حرية التعبير وحرية التجمع والتمثيل السياسي الكردي" على حد قوله.
اللاجئون والاتحاد الأوروبي
كجزء من تقربه لليمين المتطرف، اتخذ زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو أيضا موقفا متشددا بشأن ما يقدر بأربعة ملايين لاجئ سوري معظمهم يعيشون في تركيا، وهو أكبر عدد في أي مكان في العالم.
وقال الخميس الماضي: "سأعيد جميع اللاجئين إلى وطنهم بمجرد انتخابي كرئيس".
وتعليقا على هذا، رأى ميرال أنه "لو كان ذلك في بريطانيا لقلنا إن لغة كليجدار أوغلو كانت صحيحة تماما". "لكن هناك نزعة مزعجة لقبولها على أنها ما يجب أن يقوله للفوز".
ولفت إلى أن فوز المعارضة كان سيعني أزمة لاجئين جديدة في أوروبا، لأن الكثيرين كان من المحتمل أن يذهبوا إلى هناك بدلا من ديارهم. "لذلك سيكون هناك ارتياح بشأن هذا الموضوع وشعور بأنه تم تجنب الأزمة".
أردوغان يرسم أولوياته
وبالنسبة لأردوغان نفسه فقد تطرق بعد فوزه لأولويات الفترة المقبلة، قائلا: "تركنا الخلافات والنزاعات السياسية جانبا وحان الوقت لتضامن الشعب، وسنواصل بوحدتنا تحقيق أهدافنا الوطنية".
وأضاف: "نستطيع التغلب على جميع الصعاب والمشكلات، من أولوياتنا تضميد جروح ضحايا الزلزال".
وعلى صعيد الاقتصاد، أشار الرئيس التركي إلى أن "التضخم سيتراجع قريبا وسنواجه آثار الزلزال".
أمنيا، أكد أن "تحقيق الأمن والاستقرار أمر مهم وعلينا بناء اقتصاد إنتاجي لبلادنا، ومستمرون في مكافحة التنظيمات الإرهابية دون توقف".
وحول ملف اللاجئين أكد أن "العودة الطوعية للسوريين إلى بلادهم من أساس سياساتنا، وسنعمل على عودة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم".
وبعد 20 عاما من الحكم، تمكن أردوغان ليس فقط من التمسك بالمنصب، لكن من المحتمل أيضا أن يظهر أقوى، بحسب مراقبين، لا سيما أن الرجل سلك طريقا ملغما باقتصاد يعاني وأرواح ما زالت تناجي بعد الزلزال.
aXA6IDE4LjExOC4xNTQuMjM3IA== جزيرة ام اند امز