عريقات بمستشفى إسرائيلي.. "مرض" تناقض السلطة الفلسطينية
نقل عريقات إلى مستشفى إسرائيلي جاء بطلب من السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس
كشف نقل كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الأحد، إلى مستشفى إسرائيلي للعلاج من فيروس كورونا المستجد، عن حجم التناقضات داخل السلطة الفلسطينية إزاء رفض السلام مع إسرائيل.
ورغم مقولة إنه "لا شماتة في المرض" إلا أن الموقف المستغرب لأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، من معاهدة السلام الإماراتية مع إسرائيل، ولجوءه إلى مستشفى إسرائيلي، رغم عرض الأردن علاجه، يكشف الكيل بمكيالين ومنطق"حلال لنفسك حرام على غيرك".
كما أن نقله إلى مستشفى إسرائيلي للعلاج جاء بطلب من السلطة الفلسطينية نفسها التي رفضت، برئاسة محمود عباس، معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، التي تدعو للتسامح والتعايش والتعاون من أجل مصلحة الجميع دون تفريط في الحقوق الفلسطينية.
الأمر الغريب كذلك أن عريقات لجأ للعلاج في إسرائيل مع أن الأردن سبق وأن عرض عليه العلاج، أي أنه لم يكن خياره الوحيد، بل كان خياره الشخصي.
عريقات في هداسا
ونقل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، الأحد، إلى مستشفى هداسا الإسرائيلي بعد تدهور حالته الصحية إثر إصابته بفيروس كورونا.
وبررت دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، في بيان تلقته "العين الإخبارية"، نقل عريقات إلى مشفى في تل أبيب :"بسبب المشاكل الصحية المزمنة في جهازه التنفسي(...) ولما يتطلب وضعه عناية ورقابة طبية خاصة".
وأكدت مصادر فلسطينية لـ"العين الإخبارية" نقله إلى مستشفى هداسا عين كارم بالقدس الغربية بعد موافقة إسرائيلية.
وكان عريقات أعلن في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إصابته بفيروس كورونا، حيث التزم منزله منذ ذلك الحين وخضع للمتابعة الصحية من قبل ابنته سلام.
وبعد يومين أعلن عريقات معاناته من أوضاع صعبة بسبب نقص المناعة لديه نتيجة خضوعه لعملية زراعة رئة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعقب إصابته، وجه العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، بتقديم الرعاية الصحية اللازمة لعريقات، وذلك بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد.
ونقل وزير الخارجية ، أيمن الصفدي، لعريقات أمنيات العاهل الأردني بالشفاء العاجل من المرض، وتوجيهاته بتوفير الرعاية اللازمة، قبل أن يتم اليوم الإعلان عن نقله إلى مستشفى هداسا.
تساؤلات مشروعة
تناقضات عريقات وسلطة عباس أثارت استغراب الكثير من الكتاب والمحللين، متسائلين عن منطقه الرافض لمعاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية رغم مكاسبها الكبيرة للقضية الفلسطينية، ورغم أنه فضل صحته حاليا على القضية الفلسطينية..
تلك التناقضات عبر عنها الكاتب السعودي تركي الحمد، في تغريدة قال فيها:"شفاه الله وأخذ بيده، ولكن هذا الخبر يذكرني ببعض الشيوخ الذين كانوا يحرمون نقل الأعضاء، فلما احتاجوا لذلك، لم يجدوا فيه بأسا، وكذلك هو التطبيع".
بدوره ، قال المدون الإماراتي إبراهيم بهزاد : "اللهم لا شماتة.. صائب عريقات الذي أساء للإمارات بسبب اتفاقية السلام مع إسرائيل، يتم نقله للعلاج في مستشفى هداسا الإسرائيلي فهل أصبحت صحته أهم من القضية؟".
بدوره، قال الكاتب السعودي عبد العزيز الخميس :"إسرائيل توافق على علاج صائب عريقات في أحد مستشفياتها بعد إصابته بكورونا.. حالة صائب عريقات حرجة جدا، بسبب أمراض مزمنة، ولم تجد عائلته سوى اللجوء إلى اسرائيل كي يتم إنقاذه، وبادرت إسرائيل بقبول رعايته الطبية".
وأردف :"لو كنت في وضع عريقات هل تطبّع صحيًا،هل كنت ستلجأ لعدوك كي يعالجك، ماذا يعني أن لا تجد سوى إسرائيل مكانا للعلاج..لماذا ليس الأردن".
بدوره غرد الكاتب الإماراتي يعقوب الريسي، قائلا :"يقول صائب عريقات بأن عملية السلام الإماراتية أكبر طعنة ولكن إذا مرض يروح يتعالج في إسرائيل.. الروح أهم من القضية !".
الكاتب السوري عبدالجليل السعيد، تساءل أيضا "هل يأمن صائب عريقات على نفسه وصحته بين أيادي أطباء إسرائيليين ولا يأمن أن يعالج في مشافي داخل مناطق السلطة يعمل فيها أطباء فلسطينيون".
وأردف :"حلال على صائب عريقات أن يعالج في مشفى إسرائيلي تحت رعاية أطباء إسرائيليين.. أما أنتم يا شعب فلسطين فحرام عليكم أن تفكروا بالسلام أو مستقبل أفضل ..وللعلم فاتورة دخول المشفى ستدفعها سلطة عباس من ميزانية المساعدات العربية للشعب الفلسطيني".
في السياق نفسه، قال الكاتب الأردني يوسف العلاونة: "صائب عريقات أمين سر القيادة الفلسطينية من بيته في أريحا عبر نجمة داود الحمراء الإسرائيلية (ما يعادل الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر) وبحماية جيش الدفاع الإسرائيلي الى مستشفى هداسا في القدس لعلاجه من كورونا!".
وأردف :"ويقول لك ليش العرب يطبعون مع إسرائيل".
الإمارات ومعاهدة السلام.. مكاسب بالجملة
ولعبت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها دورا بارزا في دعم الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه المشروعة، مستندة إلى سياسة تتسم بالواقعية بعيدا عن استراتيجية الظواهر الصوتية، التي تنتهجها الدول المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وفيما كانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى خلال الأسابيع الماضية من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية، الأمر الذي يعني القضاء على أمل إقامة دولة فلسطينية، تدخلت الإمارات بدبلوماسيتها الواقعية لتمنع الضم عبر معاهدة سلام تاريخية مغ إسرائيل.
وبينما تواصل الإمارات العمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني عبر السلام، يكتفي عباس وزمرته بدعم من أنقرة والدوحة بشن حملات تحريضية ضد الإمارات والدول التي تؤيد مواقفها الداعمة للسلام.
هذا السلوك بات يؤكد حرص السلطة وقادتها وعلى رأسهم رئيسها محمود عباس على استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون أي حلول، لمواصلة تربحهم من المتاجرة بتلك القضية.
فالإمارات لم تعلن التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، ولم تدع الفلسطينيين لذلك، ولم تمنعهم أيضا من نيل أي حقوق يطالبون بها، على العكس تماما، نجحت الإمارات -دون أن يطلب منها أحد ومن واقع إحساس قادتها بالمسؤولية عن قضية تعد مركزية في سياستها الخارجية منذ تأسيسها- في إنقاذ 30% من الأراضي الفلسطينية وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للطرد وإنهاء 6 سنوات من الجمود.
كما بثت الروح في المسار التفاوضي للوصول إلى السلام العادل والشامل بعد نحو 3 عقود من مفاوضات بلا جدوى، أي حصلت على مكاسب مقدما للقضية الفلسطينية في سابقة بتاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية.
وفتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة.
وخلال التوقيع على معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، أكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، أن هذه المعاهدة ستمكن الإمارات "من الوقوف أكثر إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتحقيق آماله في دولة مستقلة ضمن منطقة مستقرة مزدهرة".
ولا تزال الإمارات تعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولكنها اختارت طريقا مختلفا عن طرق سلكها العرب على مدى عقود، ولم تسهم في شيء، سوى في خسائر متلاحقة للقضية.
aXA6IDMuMTQ1Ljc1LjIzOCA= جزيرة ام اند امز