ترامب يعيد «الود» بين جواسيس أوروبا
وسط التوترات عبر الأطلسي والشكوك حول تبادل المعلومات، يحصل تقارب بين وكالات الاستخبارات الأوروبية.
وبحسب مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، تنهي وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء أوروبا عقودا من انعدام الثقة، وتبدأ بناء عملية استخباراتية مشتركة لمواجهة روسيا في خطوة تسارعت وتيرتها بسبب تقلبات الإدارة الأمريكية الجديدة في دعم حلفائها التقليديين
والعام الماضي، قامت العديد من العواصم الوطنية بدمج مسؤولي الاستخبارات في مكاتب تمثيلها ببروكسل، وبدأت وحدة الاستخبارات الداخلية التابعة للاتحاد الأوروبي في تقديم إحاطات لكبار المسؤولين.
كما يدرس الاتحاد الأوروبي فكرة بناء وكالة ذات صلاحيات أقوى، على غرار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)، وهو أمر كان يعتبر مستحيلاً.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن وتيرة السعي نحو تعميق التعاون الاستخباراتي تسارعت بشكل حاد بعدما أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجأةً تبادل المعلومات الاستخباراتية الميدانية مع كييف في مارس/آذار الماضي.
الفضل لترامب
قال مسؤول استخبارات غربي، طلب عدم الكشف عن هويته "يستحق ترامب جائزة نوبل للسلام لجمعه أجهزة الاستخبارات الأوروبية".
وفي الوقت نفسه، بدأت أجهزة الاستخبارات الأوروبية بمراجعة كيفية تبادل المعلومات مع نظيراتها الأمريكية عن كثب.
وقبل أيام، كشفت أجهزة الاستخبارات العسكرية والمدنية الهولندية لصحيفة "دي فولكس كرانت" المحلية أنها توقفت عن مشاركة بعض المعلومات مع نظيراتها الأمريكية، مستشهدةً بالتدخل السياسي ومخاوف حقوق الإنسان.
ويخشى المسؤولون أن تصبح المنتديات عبر الأطلسي، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي (ناتو)، منصات أقل موثوقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية.
وقال أنطونيو ميسيرولي، مساعد الأمين العام السابق للتحديات الأمنية الناشئة في الناتو: "هناك شعور بأن التزام الولايات المتحدة قد يتراجع بالأشهر المقبلة في تبادل المعلومات الاستخباراتية التي بحوزتها - سواء داخل الناتو أو على نطاق أوسع".
ولا تزال أجهزة الأمن تتغلب على مشاكل الثقة التي استمرت لعقود، حيث تسعى بعض وكالات التجسس الرائدة إلى إنشاء مجموعات من الدول الموثوقة بدلاً من إدارة الأمور عبر بروكسل.
"نادي برن"
على عكس تحالفات التجسس المتماسكة مثل "العيون الخمس"، كافحت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دائما لبناء شراكات قوية في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية خاصة أن الأمن القومي لا يزال في أيدي العواصم الوطنية في حين تلعب بروكسل دورا تنسيقيا فقط.
وواحدة من الطرق التقليدية التي تواصلت بها الأجهزة الأوروبية كانت من خلال شبكة سرية تعرف باسم "نادي برن"، والتي أُنشئت قبل ما يقرب من 50 عامًا في المدينة السويسرية، ولا يوجد للشكة مقر رئيسي ولا أمانة عامة، وتجتمع مرتين فقط سنويًا.
وفي السنوات الأخيرة، نسقت الشبكة اجتماعاتها لتتوافق تقريبًا مع الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، لكن النادي ليس صورة طبق الأصل عن الاتحاد الأوروبي فمثلا لم تنضم مالطا أبدا إليه ولم تنضم بلغاريا إلا مؤخرًا.
كما تم تعليق عضوية النمسا لفترة من الوقت بسبب مخاوف بشأن تساهلها مع روسيا وذلك قبل أن تنضم مجددا في 2022، ومن جهة أخرى، يضم النادي دولا من خارج الاتحاد الأوروبي مثل سويسرا والنرويج والمملكة المتحدة.
وقال فيليب ديفيز، مدير مركز برونيل لدراسات الاستخبارات والأمن في لندن: "نادي برن هو بنية لتبادل المعلومات تُشبه إلى حد ما اليوروبول.. تم تصميمه لمشاركة نوع مُعين من المعلومات لوظيفة محددة.. لكنه محدود نسبيًا".
"لا فائدة"
حتى 2019، كانت الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال الاستخبارات في الاتحاد الأوروبي وهي فرنسا وهولندا وألمانيا، لا ترى فائدة في مشاركة المعلومات الحساسة مع جميع دول الاتحاد الأوروبي.
حدث ذلك خوفا من وقوعها في أيد غير مناسبة، لكن مسؤولا أمنيا غربيا جادل بأن هذا الوضع لم يعد قائما مع تقاعد معظم الحرس القديم.
وعلى الرغم من أن "نادي برن" وفر نوعًا من التعاون، إلا أنه ترك مسؤولي بروكسل على مستوى الاتحاد الأوروبي في جهل كبير.
وقال ديفيز: "تكمن المشكلة في أن تبادل المعلومات الاستخباراتية الأوروبية يختلف عن تبادل المعلومات الاستخباراتية في الاتحاد الأوروبي".
للتحولات كلمتها
أجبرت التحولات الجيوسياسية الأخيرة الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في نهجه، ودعا الرئيس الفنلندي السابق ساولي نينيستو العام الماضي التكتل إلى إنشاء وكالة على غرار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بتنسيق من بروكسل.
وتولى رئيس الاستخبارات الكرواتي، دانييل ماركيتش، قيادة مركز الاستخبارات والعمليات بالاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2024.
وجاءت المهمة لتعزيز تبادل المعلومات مع الوكالة وتزويد قادة الاتحاد الأوروبي بمعلومات استخباراتية مباشرة، مثل فون دير لاين ومسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس.
ويشكل المركز بالتعاون مع مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي "القدرات الموحدة لتحليل الاستخبارات"، حيث ركز الاجتماع السنوي في أبريل/ نيسان الماضي بحضور كبار مسؤولي الوكالات الأوروبية، إلى جانب كالاس، على تزايد الجهود الأوروبية لبناء قدرات استخباراتية مستقلة.
لكن البعض أعرب عن قلقه أيضًا من أن المبالغة في التأكيد على الحاجة إلى الاستقلالية قد تُضعف العلاقات مع الولايات المتحدة، مما يُنشئ الفجوات ذاتها التي تسعى أوروبا إلى تجنبها.
وتعمل بروكسل ببطء ولكن بثبات على بناء مجتمع استخباراتها الخاص، فمثلا يوجد الآن ضباط اتصال استخباراتيون في معظم البعثات الدائمة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ببروكسل.
كما أطلعت أجهزة الأمن البلجيكية المكلفة رسميًا بالإشراف على أنشطة التجسس في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ببروكسل على الأساليب المستخدمة لإجبار المشرّعين على التجسس على جهات أجنبية.
ثقة كافية.. الهدف
مع ذلك، نقلت "بوليتيكو" عن مصدر استخباراتي أوروبي قوله "في حين أن التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي أصبح الآن في أفضل حالاته في التاريخ الحديث، إلا أن الأجهزة لا تزال تعمل في المقام الأول لصالح حكوماتها الوطنية".
واعتبر روبرت جورليك، رئيس بعثة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية المتقاعد في إيطاليا أن "سبب عدم إمكانية وجود جهاز استخبارات على مستوى الاتحاد الأوروبي هو التنوع الكبير في آلية عمل الوكالات الوطنية".
وأضاف الأسوأ من ذلك هو أن "عدد الدول كبير جدًا - 27 دولة - مما يحول دون وجود مثل هذه الثقة في تبادل المعلومات".
وفي مارس/آذار الماضي، اتجهت بعض الدول نحو إنشاء مجموعات عمل مؤقتة أصغر، فبعدما أوقفت الولايات المتحدة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، اجتمع تحالف الراغبين بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة في باريس.
واتفق الجميع على توسيع نطاق وصول كييف إلى الاستخبارات الأوروبية وتكنولوجيا المراقبة وبيانات الأقمار الصناعية.
وتتطلع هولندا إلى تعزيز التعاون مع أجهزة أوروبية أخرى، مثل المملكة المتحدة وبولندا وفرنسا وألمانيا ودول الشمال الأوروبي، بما في ذلك تبادل البيانات الخام.
لكن الطريق ما زال طويلًا لبناء ثقة كافية بين 27 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي ذات الأولويات الوطنية المتباينة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز