أوروبا من ميركل لماكرون.. مشعل قيادة بين صورتين
هل قفزت زعامة أوروبا آليا للرئيس الفرنسي بعد التقاعد السياسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؟.. لقطة من قمة العشرين أفصحت عن الكثير.
هذا ما بدا عليه الأمر، أو على الأقل هذا ما تنضح به وضعيات مقارنة لصور التقطتها عدسات مصورين خلال دورات متفرقة لمجموعة العشرين.
نظرة بسيطة على الصور مع التركيز على تلك التي كانت تضم ميركل خلال حديثها أو حتى دردشتها مع قادة أوروبا والعالم، كفيلة بتقديم إجابات شافية.
فميركل التي هيمنت بشخصيتها القوية ومهاراتها السياسية، على مدى 16 عاما، على عملية اتخاذ القرارات في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، كانت تشكل مركز ثقل يستقطب الاهتمام أينما حلت وأنى تكلمت.
كانت حين تأخذ زمام الحديث تجبر الجميع على الإنصات لكلامها وتتبع نبراتها الهادئة وترصد حركات يديها اللتين كانتا ترسمان الفواصل بين الجمل وتستكملان ما عجزت الكلمات عن إبلاغه.
كانت قوية في هدوئها، رصينة في قراراتها وافتكت عن جدارة قيادة تكتل القارة العجوز حتى حين سلمت بلادها الرئاسة الدورية لدولة أخرى، لكنها ظلت رمزيا صاحبة القول الفصل والقرار الأخير.
وحتى حين وصل إيمانويل ماكرون إلى حكم فرنسا في عام 2017، اعتقد خبراء أن ذلك الشاب المتيم بالوحدة الأوروبية سيسحب البساط من تحت أقدام المستشارة.
غير أن المرأة التي لعبت دورا مفصليا في إنقاذ أوروبا من عواصف الأزمة المالية في 2008 وقادت عملية الإنقاذ المالي لليونان في الأعوام اللاحقة رغم التوتر السائد حينها بين برلين وأثينا، أثبتت أنها زعيمة التكتل بلا منازع.
ميركل كانت هي أيضا في صلب المفاوضات مع بريطانيا خلال عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، في مسار شكل حجر زاوية من حيث تخفيف ارتدادات العملية على تماسك الاتحاد واستمراره.
ومع تقاعدها من الحياة السياسية في فترة من التحولات العالمية، يبدو أن ألمانيا قفزت للمرتبة الثانية حيث استفادت فرنسا بقيادة ماكرون من الفراغ الذي خلفته المستشارة السابقة، ليحقق حلم حياته بقيادة التكتل الذي يدعمه بكل جوارحه ويشكل أحد أبرز بنود برنامجه الانتخابي.
وفي صورة ملتقطة بقمة العشرين المنعقدة مؤخرا في بالي الإندونيسية، بدت الإجابة واضحة، حيث ظهر ماكرون وهو يتحدث فيما كان خليفة ميركل، أولاف شولتز، يستمع، لتنقلب الأدوار في انسجام مع اعتبارات تفرضها شخصية القائد وتحولات العالم.
ففي الوقت الذي كان الألمان يعتقدون فيه أن شولتز سيسارع إلى الانخراط في المساعي الأوروبية لتحديد دور القارة في مرحلة يشهد فيها النظام العالمي تقلبات استراتيجية، حدث العكس تماما، وقفز المستشار إلى المركز الثاني في الترتيب الهرمي لأوروبا، وانقلب من متحدث لمستمع.
مقارنة بين صورتين تظهر أن ألمانيا خسرت، برغم ما تتمتع به من ثقل اقتصادي، مهمتها الأساسية في حماية المشروع الأوروبي، وسلمت المشعل لفرنسا لتحقق حلم رئيسها بقيادة تكتل يدعمه بشدة ويشكل ركيزة رؤيته الشاملة للقارة.