أوروبا والنيجر على أعتاب «مصالحة حذرة».. خيار أم ضرورة؟

بعد سنوات من القطيعة والتوترات، يبدو أن أوروبا والنيجر تسيران نحو مصالحة يرى خبراء أنها قد تكون خيارا كما قد تفرضها الضرورة.
منعطف جديد يتراءى بأفق العلاقات بين الجانبين، وفق مؤشرات وتصريحات أوروبية صادرة من نيامي.
فهل يعني ذلك عودة تدريجية للتعاون، أم مجرد محاولة لإنقاذ المصالح الاستراتيجية في الساحل؟
خبراء أفارقة وفرنسيون يضعون، في قراءات منفصلة لـ«العين الإخبارية»، الملف تحت المجهر.
مؤشرات
ذكرت «إذاعة فرنسا الدولية» (إر.إف.إي)، أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والنيجر قد تشهد تحسنًا في الفترة المقبلة، على الأقل وفقًا لتصريحات ممثل الاتحاد الأوروبي في العاصمة نيامي.
واعتبرت الإذاعة أنه حال استئناف العلاقات، فسيعد ذلك تحولًا كبيرًا بعد عامين من التوترات العميقة التي أعقبت انقلاب يوليو/تموز 2023، والذي قاده الجيش وأطاح بالرئيس حينها محمد بازوم.
ووفق المصدر نفسه، فإن العلاقات شهدت تدهورًا كبيرًا بعد أن قررت السلطات العسكرية في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلغاء الاتفاقات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى إنهاء مهمتين أوروبيتين للأمن كانتا ناشطتين داخل الأراضي النيجرية.
وبلغت الأزمة ذروتها حين طالبت السلطات النيجرية باستبدال السفير الأوروبي بعد قيامه بتوزيع مساعدات إنسانية أوروبية "دون تنسيق أو طلب رسمي".
وحينها، اعتبر جهاز العمل الخارجي الأوروبي في هذا التصرف بمثابة إعلان غير رسمي بأن السفير أصبح "شخصًا غير مرغوب فيه".
ومنذ ذلك الحين، لم يعد للاتحاد الأوروبي تمثيل دبلوماسي رسمي في النيجر، واكتفى بإيفاد قائم بالأعمال، وهو بدوره تحدّث مؤخرًا عن "أهمية طيّ صفحة الماضي والانطلاق نحو علاقة جديدة".
ورغم أن استعادة العلاقات بشكل رسمي لا تزال بعيدة المنال، إلا أن تصريحات القائم بالأعمال تتماشى مع ما صرّح به الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل الأفريقي، جواو كرافينيو، أثناء زيارته لنيامي في فبراير/ شباط الماضي.
وآنذاك، شدد كرافينيو أيضًا على ضرورة "فتح صفحة جديدة" و"تحقيق تفاهم متبادل". ومن المنتظر أن يرفع تقريرًا مرحليًا قريبًا إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الـ27.
بوابة الساحل
في قراءته للموضوع، يعتقد جان-مارك لوغران، الخبير الفرنسي في العلاقات الأوروبية الأفريقية بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بباريس، أن «الاتحاد الأوروبي لا ينوي الاعتراف الكامل بشرعية السلطة العسكرية في نيامي».
ومستدركا، في حديث لـ«العين الإخبارية»: «لكن هناك واقع لا يمكن تجاهله: النيجر هي بوابة الساحل. ومن دون علاقات، سنخسر أدوات مهمة في محاربة الإرهاب ووقف موجات الهجرة».
وأوضح أنه «من المحتمل أن نشهد نموذجًا جديدًا من العلاقات: لا تطبيع سياسي كامل، لكن قنوات مفتوحة للتنسيق في الملفات الحساسة. بمعنى آخر، ستكون العلاقة براغماتية ومحدودة النطاق، مع مراقبة مشروطة من بروكسل لأي تعاون جديد».
جذور الأزمة
شهدت العلاقات بين النيجر والاتحاد الأوروبي منذ منتصف العقد الماضي تعاونًا وثيقًا، خصوصًا في ملفي مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
وشكلت مهمتا «بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر» و«بعثة الشراكة العسكرية للاتحاد الأوروبي في النيجر» الذراع الأمنية لتكتل القارة العجوز بالبلد الأفريقي.
غير أن انقلاب يوليو/ تموز 2023 غيّر المعادلة وأدخل النيجر في دائرة صدام مع القوى الغربية، أسوة بما حدث في مالي وبوركينا فاسو.
وتدهورت الأمور عندما اتخذت النيجر مواقف متشددة تجاه التواجد الأجنبي، وبدأت في بناء تحالفات جديدة مع روسيا وبعض الفاعلين الإقليميين.
نحو صفحة جديدة؟
مريم بامبا، المحللة السياسية في معهد الدراسات الأفريقية بالسنغال، ترى أن «التقارب المحتمل لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه».
وأوضحت بامبا، لـ«العين الإخبارية»، أن «النيجر تغيرت والاتحاد الأوروبي أيضًا يعيد التفكير في استراتيجيته في الساحل».
ولفتت إلى أنه مريم بامبا ما يمكن أن نراه هو تعاون محدود وانتقائي يركز على ملفات مثل الغذاء والطاقة، وربما الهجرة، لكن دون عودة فعلية للمهمات العسكرية الأوروبية».
وتابعت: «هناك وعي متزايد داخل الاتحاد الأفريقي بأن الشركاء الغربيين يجب أن يغيّروا أساليبهم في التعامل مع دول القارة، والنيجر تمثل الآن اختبارًا مهمًا لهذا التغيير المحتمل»
بدوره، قال سليمان كوليبالي، الباحث في الشؤون السياسية الأفريقية بجامعة باماكو بمالي، إنه «من وجهة نظر أفريقية خالصة، فإن تقلب المواقف الأوروبية بعد الانقلابات في الساحل كشف عن محدودية الرؤية الغربية تجاه القارة».
ويعتبر كوليبالي أن «الاتحاد الأوروبي تعامل مع النيجر، قبل الانقلاب، كشريك أمني فقط، وليس كفاعل سياسي له سيادة وتوجهات داخلية».
وأوضح أن «اليوم، هناك نضج سياسي متصاعد في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، يسعى لإعادة رسم علاقاتها الدولية بعيدًا عن الإملاءات».
روشتة
ولذلك، يقول، فإن «أي عودة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي يجب أن تُبنى على أساس الاحترام المتبادل والتوازن، وليس على نمط الشراكة السابقة التي طغى عليها الطابع الأمني والوصاية السياسية».
بحسب الخبير، فإنه «إذا أراد الاتحاد الأوروبي علاقة دائمة ومستقرة مع النيجر، فعليه الاعتراف بالتغير الجيوسياسي العميق في الساحل، والتعامل مع الحكومات القائمة – مهما كانت طبيعتها – بمنطق التعاون وليس الاستبعاد».
كما رأى أنه «يجب أن نقرأ هذه الإشارات الأوروبية من زاوية براغماتية بحتة. فالنيجر دولة محورية في الساحل، وتحتل موقعًا استراتيجيًا في ملفي الأمن والهجرة. والاتحاد الأوروبي لا يستطيع تحمّل خسارة تامة لنفوذه هناك، خاصة في ظل تصاعد النفوذ الروسي والصيني».
واعتبر أن الإشارات الصادرة من بروكسل ونيامي توحي برغبة مشتركة في خفض التوتر وفتح صفحة جديدة، لكن لا يبدو أن الطرفين مستعدان بعد للعودة إلى علاقات شراكة كاملة كما كانت في السابق.
ورجح أن «نشهد خلال الأشهر المقبلة إعادة تفعيل محدودة للتعاون التقني والإنساني، خاصة في مجالات الأمن الغذائي والطاقة والهجرة، مع استبعاد عودة المهمات الأمنية في الوقت الراهن».
وختم بالإشارة إلى أن «الطرفين يدركان أنهما بحاجة لبعضهما البعض، لكن الثقة لم تُستعد بالكامل، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا لحسن النوايا ومصالح مشتركة أكثر من كونها عودة طبيعية لعلاقات سابقة».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAzIA== جزيرة ام اند امز