إدارة ترامب تهدد وحدة أوروبا.. 3 قضايا اقتصادية تحسم المخاوف
تحاول قيادات أوروبا التنبؤ بالسياسات المحتملة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، تجاه القارة العجوز بعد بدء ولايته الثانية في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وقالت مجلة فورين بوليسي، في تقرير "لا أحد لديه أدنى فكرة عما قد يفعله ترامب، وبدلا من التدقيق في كل ما يقوله هو وفريقه سيكون من الأفضل للحكومات الأوروبية أن تقيم نقاط قوتها ونقاط ضعفها".
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي يكمن الخطر الرئيسي في ظل الإدارة الثانية لترامب هو أن تؤدي الضغوط الأمريكية إلى زيادة التشرذم بين الدول الأعضاء.
وينطبق ذلك على الموضوعات الاقتصادية الثلاثة الأكثر إلحاحا، التعريفات الجمركية التجارية، والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، والعقوبات المفروضة على روسيا.
الرسوم الجمركية التجارية
وتتصدر الرسوم الجمركية التجارية قائمة المخاوف الأوروبية المتعلقة بترامب، فقد ذكر الرئيس الأمريكي المنتخب خططا لفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و20% على الواردات الأمريكية من أوروبا.
وقد أثار مجرد التهديد بالرسوم الجمركية الأمريكية ناقوس الخطر في أوروبا، ويبدو أن التفكير الحالي هو أن الاتحاد قد يتفادى ذلك من خلال الوعد بتعزيز وارداته من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، لكن هذا قد لا يكون كافيا لإقناع ترامب، الذي كان مهووسا منذ فترة طويلة بفكرة خفض العجز التجاري الأمريكي السنوي البالغ 131 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي.
وستكون ألمانيا وإيرلندا وإيطاليا الأكثر تضررا إذا نفذ ترامب تهديداته بالرسوم الجمركية، وتعتمد هذه الاقتصادات الثلاث بشكل خاص على السوق الأمريكية، التي تستوعب ما بين 22 و46% من صادراتها من خارج الاتحاد الأوروبي.
وتدير الثلاث دول فوائض تجارية ضخمة مع الولايات المتحدة، مما يجعلها أهدافا رئيسية لإدارة أمريكية مهووسة بالعجز التجاري، وربما تكون العديد من الاقتصادات الصغيرة في الاتحاد الأوروبي بخير، لأن الولايات المتحدة تستوعب جزءا ضئيلا فقط من صادراتها، بل إن بلجيكا وهولندا وإسبانيا تسجل عجزا تجاريا مع الولايات المتحدة.
وتسلط هذه البيانات الضوء على حقيقة غير مريحة لصناع السياسات في الاتحاد الأوروبي: هناك خطر كبير من تفتت الاتحاد الأوروبي استجابة لحرب تجارية محتملة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة إذا اختار ترامب معدلات تعريفة مختلفة لكل من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الكتلة.
من ناحية أخرى، فإن اقتصادات الاتحاد الأوروبي التي ستتضرر بشدة من الرسوم الجمركية قد لا يكون لديها شهية كبيرة للتدابير الانتقامية التي قد تؤدي إلى أضرار أكبر لصادراتها، خاصة إذا كانت هذه البلدان أيضا في خضم أزمة اقتصادية وسياسية مثل ألمانيا.
الاتحاد الأوروبي والصين
يبدو أن ولاية ترامب الثانية ستعقد أيضا العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين.
واقترح ترامب فرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على الواردات الأمريكية من الصين، وهي الخطوة التي من شأنها أن تتسبب في انخفاض الواردات الأمريكية من الشركات الصينية إلى مستويات منخفضة قياسية.
والقاعدة الأساسية هي أن زيادة نقطة مئوية واحدة في التعريفات الجمركية الأمريكية تؤدي إلى انخفاض بنسبة نقطتين مئويتين في الواردات الأمريكية من الصين.
وحتى لو قرر ترامب في النهاية خفض المعدل فإن خطابه يعني أن الشركات الصينية مشغولة بمضاعفة الجهود لتنويع الصادرات بعيدا عن الولايات المتحدة، بما في ذلك نحو أوروبا وإن كفاح بكين لتعزيز الاستهلاك المحلي، مما يجعل الصادرات السبيل الوحيد لاستيعاب الناتج الصناعي الهائل في البلاد، يجعل هذا الوضع أكثر إثارة للقلق بالنسبة لأوروبا.
وهذا التطور يضع الأوروبيين في موقف صعب، في وقت حيث يشكل تقليل المخاطر، أو بعبارة أخرى، تقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين، أولوية في بروكسل.
وإذا خفضت الشركات الصينية الأسعار لدفع المزيد من منتجاتها إلى أوروبا، فقد تبدو الواردات الصينية الأرخص جذابة للمستهلكين في الاتحاد الأوروبي، مما يجعل من الصعب على الشركات الأوروبية تبني مساعي تقليل المخاطر.
ومن شأن هذا الوضع أن يعزز الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع العلاقات مع الصين، وقد ترى بعض الدول بما في ذلك دول البلطيق وبولندا كفاح الصين لإيجاد مشترين لصادراتها كفرصة لموقف أكثر صرامة من جانب الاتحاد الأوروبي تجاه بكين.
وفي المقابل قد تضاعف دول أخرى -على سبيل المثال ألمانيا والمجر- من نهجها الصديق للصين.
ولرعب الأوروبيين قد يذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، من خلال إجبار شركات الاتحاد الأوروبي على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، وللقيام بذلك قد تفرض واشنطن عقوبات ثانوية على بعض البنوك الصينية، مما يجبر جميع الشركات في جميع أنحاء العالم على الاختيار بين التعامل مع الصين أو الولايات المتحدة.
الاتحاد الأوروبي والعقوبات
وقد تتجلى تجزئة الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات أيضا عندما يتعلق الأمر بالتدابير المتعلقة بروسيا، حيث إنه منذ إعادة انتخاب ترامب كان الأوروبيون يتساءلون عما إذا كانوا في حاجة إلى دعم كييف بمفردهم وكيف قد يفعلون ذلك إذا اختار وقف المساعدات لأوكرانيا.
ولإثارة قلق الأوروبيين تعهد ترامب مرارا وتكرارا بأنه سينهي الحرب في غضون 24 ساعة، وفي محاولة لإبرام صفقة مع الكرملين قد يعرض ترامب رفع بعض أو حتى كل العقوبات الأمريكية على موسكو وإلغاء بعض هذه التدابير لن يكون له تأثير يذكر، على سبيل المثال تجميد الأصول وحظر السفر على الروس أصحاب العلاقات الجيدة.
ولكن انسحاب الولايات المتحدة من العقوبات المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مثل سقف أسعار مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي على صادرات النفط الروسية، من شأنه أن يخلف عواقب أكبر.
ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يجبر الأوروبيين على الفور على الإجابة عن سؤالين، أولا.. هل سيستمر الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على موسكو بمفرده؟ وثانيا هل ستكون عقوبات الاتحاد الأوروبي أكثر تأثيرا إذا لم تكن واشنطن تؤيدها؟
وفي حال تراجع الولايات المتحدة عن العقوبات فإن الأولوية بالنسبة لبروكسل ستكون توضيح آفاق القرض البالغ 50 مليار دولار الذي قدمته اقتصادات مجموعة الدول السبع لأوكرانيا.
وكان القرض مصمما لسداده من خلال عائدات أصول البنك المركزي الروسي المجمدة، وإذا فك ترامب تجميد هذه الاحتياطيات فإن القرض سيكون في ورطة.
ومع ذلك ربما يكون لدى الكرملين قائمة رغبات مختلفة لرفع العقوبات، ومن منظور موسكو فإن العقوبات التي تؤلم أكثر هي تلك التي تؤدي إلى اختناق بطيء للاقتصاد الروسي، وتشمل هذه القيود فرض قيود على قدرة روسيا على إصدار ديون خارجية في وقت تنخفض فيه احتياطيات موسكو المالية، فضلاً عن ضوابط التصدير التي تقيد وصول روسيا إلى التكنولوجيا الغربية التي تحتاجها للحفاظ على إنتاجها من النفط والغاز.
وإذا رفع ترامب العقوبات عن موسكو فمن الصعب أن نتخيل أن الاتحاد الأوروبي قد يتمكن من تجديد عقوباته على روسيا بالإجماع كل ستة أشهر، كما يقتضي القانون.
وتحتل المجر الصديقة لموسكو قمة قائمة الدول التي قد تعارض تمديد التدابير، خاصة إذا تمكنت بودابست من انتزاع تنازلات جمركية من واشنطن في مقابل تسهيل شكل من أشكال التساهل من جانب الاتحاد الأوروبي تجاه موسكو كجزء من صفقة كبرى بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
aXA6IDMuMTQ0LjEwNC4xNzUg جزيرة ام اند امز