ثمن باهظ تدفعه تل أبيب.. خبير يكشف مآلات العقوبات الأوروبية على إسرائيل

أكد الخبير الاقتصادي الفرنسي فرانسوا هيسبورغ، الخبير الاقتصادي والباحث البارز في مؤسسة الدراسات الاستراتيجية في باريس، أن أي خطوة من جانب بروكسل لتعليق أو تقليص الاتفاقيات التجارية الموقعة مع إسرائيل ستُوجّه ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي.
واوضح هيسبورغ في حوار مع "العين الإخبارية" أن إسرائيل تعتمد بشكل أساسي على الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري.
ويأتي هذا النقاش وسط تصاعد الغضب الأوروبي من الحرب في غزة وتزايد الضغوط لمعاقبة الوزراء الإسرائيليين المتشددين والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال فرانسوا هيسبورغ لـ"العين الإخبارية" إنه بينما تعتبر بروكسل الشريك التجاري الأول لإسرائيل، فقد طرحت المفوضية الأوروبية تعليق الشق التجاري من اتفاقية الشراكة الموقعة عام 2000. وهي خطوة قد تكلّف تل أبيب ثمنًا باهظًا.
خسائر مباشرة في عائدات التصدير
وأشار الخبير الاقتصادي الفرنسي إلى أن "إسرائيل تعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية، خاصة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة والمواد الكيميائية"، مشيرًا إلى أن أي تعليق جزئي للاتفاقية "سيؤدي إلى خسائر مباشرة في عائدات التصدير، وإلى زيادة تكلفة الواردات الصناعية الحيوية بالنسبة لتل أبيب".
ورأى هيسبورغ أن العقوبات التجارية "ستُحدث صدمة سياسية أكثر منها اقتصادية في المدى القصير"، لكنها "ستضع إسرائيل في عزلة اقتصادية متزايدة إذا ما ترافقت مع ضغوط أمريكية"، مضيفًا: "تاريخيًا، لم يكن الاتحاد الأوروبي فاعلًا نشطًا في فرض عقوبات على إسرائيل، لكن تغيّر المزاج السياسي في بروكسل اليوم قد يُحدث تحولًا غير مسبوق".
وتابع: "على الرغم من ذلك فإن أوروبا لن تذهب بعيدًا في فرض العقوبات، لأن مصالحها الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل قوية، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا والأمن". ويضيف: "الخطوة الأوروبية تبدو أكثر رمزية، هدفها تهدئة الرأي العام الداخلي الغاضب من حرب غزة، أكثر من كونها محاولة حقيقية لإلحاق الضرر بتل أبيب".
عقوبات رمزية مترددة
ورأى أنه بينما يبدو الاتحاد الأوروبي مترددًا في اتخاذ قرار شامل ضد إسرائيل، فإن مجرد الحديث عن تعليق الاتفاقيات التجارية يعكس تحولًا في المزاج السياسي الأوروبي، حيث يزداد الضغط على بروكسل للتحرك بشكل ملموس ضد السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. لكن أي قرار حقيقي ستكون له تداعيات عميقة على تل أبيب، التي قد تجد نفسها أمام معادلة صعبة: إما تعديل سياساتها، أو مواجهة عزلة اقتصادية متنامية.
والعقوبات المطروحة تشمل استهداف "الوزراء المتطرفين والمستوطنين العنيفين" الإسرائيليين، إضافة إلى تعليق جزئي لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وهو ما أعلنته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، يوم الأربعاء 10 سبتمبر/ أيلول، في كلمتها السنوية حول "حال الاتحاد" أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ.
ورغم أن إلغاء الاتفاقية الموقعة قبل 25 عامًا يبدو بعيد المنال، فإن مراجعة الشق التجاري منها لن تمر من دون عواقب على إسرائيل، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وتشير بيانات يوروستات إلى أن التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل واصل نموه منذ 2023، إذ بلغ في 2024 نحو 42.6 مليار يورو، وهو أعلى بكثير من حجم التبادل بين إسرائيل والولايات المتحدة (31.6 مليار يورو). وبذلك يظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لتل أبيب، بفارق كبير. لكن العكس ليس صحيحًا: فإسرائيل لا تحتل سوى المرتبة 31 بين شركاء الاتحاد الأوروبي التجاريين، وهو ما يعكس الفارق الكبير في حجم الاقتصادين.
ورغم ذلك، يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير على الاتحاد الأوروبي: نحو ثلث الواردات والصادرات الإسرائيلية تتم مع دول الاتحاد، في حين لم تمثل إسرائيل سوى 0.8% فقط من إجمالي تجارة التكتل في 2024. ومع ذلك، تبقى تل أبيب ثالث شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في منطقة المتوسط، بعد المغرب والجزائر.
هيكلية التبادل التجاري
وبلغت واردات أوروبا من إسرائيل 15.9 مليار يورو في 2024، بواقع: 44% آلات ومعدات نقل، و18% منتجات كيميائية، و12% سلع صناعية أخرى، بينما وصلت صادرات أوروبا إلى إسرائيل إلى 26.7 مليار يورو، بالتركيبة نفسها تقريبًا.
أما التجارة في قطاع الخدمات، فقد بلغت في 2023 حوالي 25.6 مليار يورو، منها 10.5 مليار يورو واردات أوروبية من إسرائيل و15.1 مليار يورو صادرات أوروبية إليها.
خلفية الاتفاقيات
ومنذ عام 2000، يقوم هذا التبادل التجاري على اتفاقية شراكة أسست منطقة تجارة حرة بين الجانبين، وألغت معظم الرسوم الجمركية على السلع الصناعية، وقدمت تسهيلات جزئية على بعض المنتجات الزراعية. وعام 2010 تم توقيع اتفاق زراعي موسع، وفقًا لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وفي عام 2012، تم إجراء اتفاق خاص بالمنتجات الدوائية سهّل الاعتراف المتبادل بالشهاداتن وفي عام 2018 تم التوصل إلى اتفاق "السماء المفتوحة" الذي حرر قطاع الطيران بين إسرائيل وأوروبا.
لكن الاتحاد الأوروبي وضع منذ البداية خطًا أحمر: استبعاد منتجات المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ 1967 من أي امتياز جمركي. ولضمان ذلك، طُبّق عام 2004 نظام يُلزم المصدرين الإسرائيليين بالكشف عن الرمز البريدي لمكان الإنتاج. وفي 2023، عززت بروكسل هذه الإجراءات عبر إدخال رمز جمركي جديد يحول دون الالتباس بشأن مصدر البضائع.
واليوم، وفي ظل حرب غزة المستعرة، أعلنت فون دير لاين نيتها "تشديد العقوبات"، لكن يبقى السؤال: هل ينجح الاتحاد الأوروبي، المنقسم داخليًا، في حشد أغلبية تؤيد تعليق التبادل التجاري التفضيلي؟ المؤكد أن إسرائيل ستكون الخاسر الأكبر، وفقًا لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز