من هو الزعيم في أوقات «الدفاع».. الناتو أم الاتحاد الأوروبي؟
لسنوات عديدة، كان الناتو والاتحاد الأوروبي، اللذان يتخذان من بروكسل مقرا لهما، بالكاد يتواصلان عندما يتعلق الأمر بالدفاع.
وكان الدفاع هو المجال الذي يحتله حلف شمال الأطلسي "الناتو" (وهو تحالف عسكري في نهاية المطاف)، في حين كان الاتحاد الأوروبي يتعامل مع التجارة والزراعة وتغير المناخ.
وقد تم تلخيص ذلك من خلال عبارة رائجة في الأوساط العسكرية: "الولايات المتحدة تقاتل، والأمم المتحدة تغذي، والاتحاد الأوروبي يمول".
لكن هذا تغير الآن، وفق تحليل طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.
فالدعوات إلى تعيين أول مفوض لشؤون الدفاع في المفوضية الأوروبية المقبلة - التي سيتم تشكيلها بعد انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران- تتزايد.
ومن المرجح أن تتولى هذه المفوضية مرة أخرى أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة.
وسيكون الشخص الذي يشغل هذا المنصب مسؤولا عن تخصيص مليارات اليوروهات لصناعة الدفاع في أوروبا للمساعدة في تلبية احتياجات الكتلة الخاصة، وكذلك احتياجات أوكرانيا.
كما قدمت المفوضية أيضا استراتيجية صناعية دفاعية أوروبية إلى جانب مبلغ نقدي لا يقل عن 1.5 مليار يورو، بهدف جعل الاتحاد الأوروبي يبدأ أخيرا في تعزيز ثقله عندما يتعلق الأمر بالدفاع.
ويحاول زعماء الاتحاد الأوروبي إيجاد أموال لتعزيز دفاعات الاتحاد الأوروبي وطلبوا من المفوضية "استكشاف جميع الخيارات" بحلول قمتهم في يونيو/حزيران.
ويقول دبلوماسيون إن الزعماء متفقون على الحاجة إلى الأموال لكنهم يختلفون حول كيفية العثور عليها.
جرس إنذار مع الحرب وترامب
وبدافع من الحرب في أوكرانيا وعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، يريد الاتحاد الأوروبي أن يبدأ أعضاؤه في التفكير في مستقبلهم عندما يتعلق الأمر بالدفاع، وهو مستقبل لا يعتمدون فيه بشكل مفرط على الولايات المتحدة. .
وفي حلف شمال الأطلسي، حيث الولايات المتحدة هي العضو الأساسي والذي تمتعت لعقود من التفوق على كيفية تنسيق معظم دول الاتحاد الأوروبي للسياسات الدفاعية، تدق أجراس الإنذار.
وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، للصحفيين، الشهر الماضي: "لا يمكن أن نجعل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يقدمان إلى ألمانيا أو الدنمارك أو بولندا قائمتين متعارضتين من أهداف القدرات".
كلمات اعتبرها مراقبون "قوية" من ستولتنبرغ الذي عادة ما يكون دبلوماسيا متشددا.
وأضاف "المهم هو أن حلف شمال الأطلسي بالطبع هو المنظمة التي يتعين عليها أن تحدد الأهداف المتعلقة بالقدرات... بالنسبة لعدد الدبابات القتالية وعدد الطائرات وعدد السفن ونوع الاستعداد وما إلى ذلك".
وإذا لم تكن رسالة ستولتنبرغ واضحة بما فيه الكفاية، فقد أضاف رئيس الحلف، النرويجي: "هذه هي المسؤولية الأساسية لحلف شمال الأطلسي".
والأسبوع الماضي، ضاعف ستولتنبرغ أيضا جهود الناتو ليكون أكبر مزود أمني لكييف. وقام فريقه بتعميم فكرة إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو لمدة خمس سنوات لأوكرانيا.
ومع ذلك، فإن بعض الدول الأوروبية لديها شكوك حول هذا المستوى من الالتزام النقدي، حيث قيل إن بعض وزراء الخارجية أثاروا الأمر خلال العرض الذي قدمه ستولتنبرغ في وقت سابق من هذا الشهر.
لكن رئيس الناتو شدد على أنه سيعمل على خطة التمويل الضخمة في الفترة التي تسبق قمة الناتو الكبيرة في يوليو/تموز القادم، في واشنطن.
ويحظى نفس الرقم البالغ 100 مليار يورو بشعبية كبيرة أيضا على مستوى الاتحاد الأوروبي، فقد طرحه مفوض السوق الداخلية تييري بريتون لصالح صندوق دفاع في الاتحاد الأوروبي، وأيضا من قبل إستونيا.
ويُصر مسؤولو الاتحاد الأوروبي على أنه لا توجد فرصة للازدواجية، لكنهم يؤكدون أيضا على أن الكتلة لها دور مالي تلعبه.
وقال توماس كوبيتشني، المبعوث التشيكي لإعادة إعمار أوكرانيا ونائب وزير الدفاع السابق، لصحيفة بوليتيكو: "نحن بحاجة إلى بناء مثل هذه الأداة المالية المستدامة إذا كان من الضروري حماية الأمن الأوروبي".
وتابع كوبيتشني: "إذا انضمت الولايات المتحدة إلى صندوق مشترك، فلنفعل ذلك في إطار حلف شمال الأطلسي. وإذا أرادوا الاستمرار في القيام بذلك بشكل ثنائي، فلنفعل ذلك تحت مظلة الاتحاد الأوروبي".
انتزاع السلطة
ويقول تحليل "بوليتيكو" إن شكوك حلف شمال الأطلسي بشأن انخراط الاتحاد الأوروبي في شؤون الدفاع عميقة.
وتنتشر المخاوف على نطاق واسع أيضا من أن الاتحاد الأوروبي ربما يخطط لوضع معايير خاصة به للذخيرة تختلف عن تلك التي يفرضها التحالف، والتي ظلت قائمة منذ نصف قرن من الزمن.
وفي رسالة أرسلها ستولتنبرغ إلى فون دير لاين في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، واطلعت عليها صحيفة بوليتيكو، حذر قائلا "أشعر بالقلق إزاء التداخل المحتمل مع أنشطة الناتو الحالية"، مضيفا: "على وجه الخصوص، سأكون قلقا إذا انتقل الاتحاد الأوروبي إلى وضع المعايير للذخائر".
وفي خطاب ألقته في فبراير/شباط الماضي، قالت فون دير لاين إن هناك حاجة ماسة إلى "عقلية دفاعية أوروبية جديدة"، لأننا "لا نملك السيطرة على الانتخابات أو القرارات في أجزاء أخرى من العالم".
أصدقاء بروكسل
ومع عدم وضوح اختصاصات المؤسستين، تتزايد المنافسة بينهما.
وقال أنطونيو ميسيرولي، الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي: "من الواضح تماما أن هناك أيضا جهدا من جانب الحلف لمضاهاة أو حتى تجاوز الجهود التي بذلها الاتحاد الأوروبي في هذا المجال بالذات"، وذلك لمواجهة التحديات الأمنية الناشئة.
ومما يزيد من التعقيد أن عضوية الهيئتين تتداخل إلى حد كبير، إضافة إلى أن الأموال المعنية تأتي من مصدر وطني واحد.
ولفت ميسيرولي إلى أن "هناك الآن 23 دولة في كلا المنظمتين وأعتقد أن بعضها على وجه الخصوص قد يشعر بضغط كبير".
على الصعيد الشخصي الأمور مختلفة
وقد يكون هناك عدم ثقة بين المؤسسات، لكن على المستوى الشخصي، يحب ستولتنبرغ فون دير لاين، ويعملان معا بانتظام، وبشكل ودي.
هذا ما تحدث عنه شخص مقرب من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، طلب عدم الكشف عن هويته، "إنه (ستولتنبرغ) يحب أسلوبها حقا، خاصة عندما يتعلق الأمر بقيادتها في أوكرانيا".
وسبق أن تم طرح فون دير لاين في وقت ما كخليفة محتملة لستولتنبرغ، الذي تنتهي فترة ولايته هذا العام.
وقام الاثنان برحلات مشتركة إلى دول البلطيق الثلاث قبل وبعد الحرب الأوكرانية عام 2022. كما عقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا في مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير.
وقال ستولتنبرغ الذي عادة ما يكون متوترا أمام الكاميرات في ميونيخ: "عزيزتي أورسولا، من الرائع دائما أن أكون معك".