«الناتو» بذكرى تأسيسه الـ75.. محطات على طريق عملاق أيقظته أسوأ الصدمات
رغم أنه يواجه تهديدا متزايدا من موسكو واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أن حلف الناتو الذي يحتفي الخميس، بذكرى مرور 75 عاما على تأسيسه، أعيد إنعاشه مجددا.
فبعد 4 أعوام ونصف من انتقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2019، التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الاتحاد السوفياتي، معتبرًا إياه يعاني من «الموت الدماغي»، توسع الحلف الآن ليضم 32 بلدا مع انضمام السويد وفنلندا إليه بعد ما وصفها ماكرون بـ«الصدمة» التي أحدثها الهجوم الروسي عام 2022.
فماذا نعرف عن الناتو؟
عام 1949، وقّعت 12 دولة مؤسسة على معاهدة حلف شمال الأطلسي، مع وقوف الولايات المتحدة وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية صفا واحدا لمواجهة تهديد الاتحاد السوفياتي الذي كان حليفها سابقا خلال الحرب العالمية الثانية.
وبحسب أول أمين عام للحلف لورد إسماي، فإن هدف الناتو كان «إبقاء الاتحاد السوفياتي في الخارج والأمريكيين في الداخل والألمان مهزومين».
عام 1952، انضمت تركيا واليونان إلى الحلف قبل أن تصبح ألمانيا الغربية عضوا بعد ثلاث سنوات.
وبعد انتهاء الحرب الباردة، توسّع الناتو مرّات عدة نحو الشرق ليزداد طول حدوده مع روسيا عبر انضمام بولندا ودول البلطيق السوفياتية السابقة.
وبعدما شنت روسيا عمليتها العسكرية على أوكرانيا عام 2022، تراجعت جارتا روسيا الشماليتان عن سياساتهما التاريخية القائمة على عدم الانحياز، ليصل عدد أعضاء الحلف إلى 32 بلدا.
وفي المجموع، تمثّل بلدان الناتو نحو حوالى 50% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي. وتضم بلدان الحلف ما مجموعه 3,2 ملايين رجل وامرأة يخدمون في جيوشها. وتعد آيسلندا الدولة الوحيدة المنضوية في الحلف التي لا تحظى بجيش خاص بها.
المادة الخامسة
ولم يفعّل «الناتو» غير مرّة واحدة المادة الخامسة المرتبطة بالدفاع الجماعي التي تفيد بأن الهجوم على أي من أعضائه يعد هجوما على الجميع، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
واعتُبر هذا القرار تعبيرا عن الدعم للقوة العسكرية التي تقود الحلف ومختلفا إلى حد كبير عن التهديد في أوروبا الذي توقعه مؤسسوه في الأساس.
وأدت تداعيات هجمات 11 سبتمبر/أيلول إلى تدخل «الناتو» في أفغانستان حيث بقي حتى العام 2021 عندما سمح انسحاب كارثي بقادة الولايات المتحدة لطالبان باستعادة السلطة.
الإنفاق الدفاعي
وردّا على انتزاع روسيا القرم من أوكرانيا عام 2014، اتفق حلفاء الناتو على أنهم سيهدفون لإنفاق 2% من إجمالي ناتجهم الداخلي على الدفاع.
وتمّت زيادة هذا الهدف بعدما شنّت موسكو عمليتها العسكرية على جارتها في 2022 لتصبح نسبة 2% هي الحد الأدنى.
وندد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدول الناتو، معتبرا أنها لا تنفق ما يكفي محذرا من أنه سيشجّع روسيا على «القيام بما ترغب به» للدول التي لا تفي بالتزاماتها.
وعام 2024، يتوقع أن تصل 20 دولة عضواً في الناتو إلى هدف 2%، مقارنة مع ثلاث فقط عام 2014.
مهمات خارجية
وسيمثّل يونيو/حزيران 2024 مرور 25 عاما على نشر الناتو قوات في كوسوفو عام 1999، ليُستكمل انسحاب القوات الصربية بعد حملة قصف جوي تواصلت على مدى 77 يوما.
ولم يكن هذا التدخل العسكري غير الثاني في تاريخ الناتو، بعد تدخله في البوسنة في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وبعد ربع قرن، ما زالت قوة كوسوفو التابعة للناتو على الأرض في البلقان، لتصبح المهمة الأطول للحلف في تاريخه.
وبعدما أدى ارتفاع منسوب التوتر العام الماضي إلى أعمال شغب أسفرت عن إصابة 93 عنصرا من الناتو بجروح، اتفق الحلفاء على إرسال ألف جندي إضافي للانضمام إلى قوة كوسوفو، ليصبح مجموع الجنود حوالي 4500.
وفضلا عن البلقان، شملت مهمات «الناتو» الرئيسية الأخرى في الخارج عقدين تقريبا في أفغانستان وقصف العام 2011 على ليبيا.
لم تنسحب أي دولة على مر التاريخ من الناتو، لكن فرنسا أمضت حوالي 43 عاما خارج هيكل القيادة العسكرية للحلف بعدما انسحب الرئيس شارل ديغول عام 1966 احتجاجا على هيمنة الولايات المتحدة.
ولم يتم التراجع عن هذا القرار الذي تم بموجبه نقل مقر الناتو من باريس إلى بروكسل إلا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2009.
مع ذلك، ما زال التوتر يهيمن أحيانا على العلاقة مع الناتو وفي 2019 قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن الحلف يعاني من «الموت الدماغي»، إلا أنه أضاف لاحقا أن العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا عام 2022 أيقظت الناتو عبر «أسوأ الصدمات».
أين هو الآن؟
قبل ستة أشهر فقط من إرسال روسيا قواتها إلى أوكرانيا، كان الناتو ما زال يحاول التعامل مع الانسحاب الكارثي بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان الذي سمح لطالبان بالوصول إلى السلطة.
ومنذ بدء حرب أوكرانيا التي كانت تسعى للانضمام إلى الناتو يوما ما، أرسل أعضاء الحلف أسلحة بقيمة عشرات مليارات الدولارات إلى كييف، لكنه تجنّب الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا تحمل خطر التحوّل إلى حرب نووية.
ومع تقدّم قوات موسكو ميدانيا في الوقت الحالي وتراجع الأسلحة التي يتم إيصالها إلى كييف، تسري مخاوف من أن دول الناتو يمكن أن تكون التالية في مرمى روسيا في حال تمكّن الكرملين من تحقيق انتصار في أوكرانيا.
ويقول مساعد مدير الدفاع والأمن لدى مركز أبحاث «راند كوربوريشن" RAND Corporation الأمريكي جيمس بلاك، إن «الناتو تنشّط بعد عملية روسيا العسكرية في أوكرانيا»، مضيفًا: «في غضون عامين، توسّع الناتو وبات أكثر طموحا في ما يتعلّق بنطاق أنشطته، (عبر نشر) المزيد من القوات في أوروبا الشرقية».
بلاك أضاف أنه «إذا تراجع الدعم وباتت أوكرانيا تحت الضغط للتفاوض والقبول بسلام سيئ، يمكن أن يفاقم ذلك خطر روسيا (..) لذلك من الضروري بأن يتم دعم أوكرانيا الآن. إنه استثمار للناتو من أجل الغد».
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس مصدر التهديد الوحيد الذي يواجهه الناتو؛ فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الشهر الماضي هزّة في أوساط حلفائه عبر القول إنه سيشجّع روسيا على «القيام بأي أمر ترغب فيه لأي دولة في الناتو لا تفي بالتزاماتها المالية».
وأشعلت تصريحات المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، هذا العام، عاصفة سياسية وأثارت الشكوك حيال التزام واشنطن تجاه حلفائها في حال هزم ترامب الرئيس الحالي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر.
وقال المسؤول الرفيع السابق في الناتو والباحث حاليا لدى "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" كميل غراند إن "المشكلة الحقيقية في ترامب تكمن في صعوبة التنبؤ به".
وأضاف أن «انسحاب الولايات المتحدة من الناتو ليس ضروريا حتى. كل ما يحتاجه الأمر هو تغريدة أو تصريح من قبيل: لن يموت أي جندي أمريكي من أجل حليف مثل ليتوانيا».
وما زال دبلوماسيون في مقر الحلف في بروكسل متفائلين حيال عودة ترامب المحتملة إذ أن الناتو كان في حال أفضل عند انتهاء ولايته الأولى.
ويقولون إن إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها إقناع الولايات المتحدة بأهمية الناتو تتمثّل بزيادة الاهتمام الذي توليه إلى الصين التي تمثّل مصدر قلق رئيسياً بالنسبة لواشنطن.
هل ينجو دون أمريكا؟
لكن رغم زيادة الإنفاق الأوروبي على الدفاع، يعتقد كثيرون بأن الناتو لن ينجح من دون قوة الولايات المتحدة.
وأفاد دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته: «إذا انسحبت الولايات المتحدة من ذلك، فلن يكون بإمكاننا التعامل مع الأمر.. أوروبا تكثّف الوتيرة، لكن حتى اقترابنا (من تحقيق الهدف) سيستغرق بعض الوقت».
aXA6IDUyLjE1LjIxNy44NiA=
جزيرة ام اند امز