حدث استثنائي بمقديشو.. عودة السينما على شاشات المسرح الصومالي
لم تكن ليلة الأربعاء الماضي في مقديشو عادية، فعاشت المدينة حدثا استثنائيا تجسد بعرض أول عمل سينمائي على شاشات المسرح الصومالي، بعد 3 عقود منذ انهيار الحكومة المركزية، وانطفاء الأضواء على مبنى المسرح، الذي كان يعد أبرز صرح ثقافي في الصومال.
ومن حسن الحظ أن العمل السينمائي، الذي تم عرضه وتمثل في فيلمين كانت مدة كل منهما 35 دقيقة، كان من تأليف وصناعة وإخراج شباب صوماليين ولدو وعاشوا في ظروف الحرب الأهلية خلال السنوات الماضية.
سعر تذاكر دخول المسرح ليلة العرض كانت 10 دولارات، وسيتم عرض الأعمال في الصومال، مصر وكينيا، وكانت الأجواء حماسية، وانسجام بين الذكريات القديمة وزخم أجواء العودة، وشارك نحو 300 شخص، بحسب تصريحات القائمين في التنظيم.
الفيلم الأول هو "هوس" ويعني بالعربية "الظل"، وتدور أحداثة حول صراع التمسك بالحياة التقليدية المحافظة عند الآباء والأمهات، وسعي الشباب إلى التكيف مع الحياة العصرية.
وتحاول والدة فتاة على إجبارها لارتداء الحجاب، والحفاظ على الصلوات في وقتها، بأساليب تبعد التفاهم بين الطرفين، ومن ثم ترحل الفتاة عن منزل والدتها وتسكن في منزل آخر ثم تمرض وتزورها الوالدة لتفجع بحالة الفتاة وتعالجها.
رسالة الفيلم حسب القائمون عليه، هو تشجيع الآباء على اتباع أساليب أكثر مرونة والبحث عن خط متوزان بين أساليب الحياة الكلاسيكية والحديثة لمعالجة الفجوة الحضارية، كما أنه يرسل رسالة مفادها بأن الوالدين هما الظل للأولاد مهما حدث بينهم، وأنهم الحضن الأخير لكل إنسان إذا بقيا على قيد الحياة.
الفليم الثاني هو "ديت فروم هيل" ويعني "الارتباط مع الشخص الخطأ"، وتدور أحداثه حول فتاة وشاب فشلت في علاقة حب، ولم تخرج من منزلها لعدة أشهر وتعيش حالة إحباط.
تنحدر الفتاة من أسرة ميسورة وتعيش حياة فارهة، وبسبب حالتها النفسية تعيش عزلة مستمرة، فتأتي شقيقتها لإخراجها من هذه الحالة وتتوسط بينها وأحد أفضل زملائها لخلق علاقة جديدة بينهما.
وقبل أول لقاء يجمعها مع الشاب الجديد، تخرج من منزلها لتتمشى قليلا، فيخطف لص حقيبة يدها وهاتفها وتهرول خلفه، ويرى شاب مشرد حالتها بعد كل هذا الجري، ويمنحها القليل من الماء، ويتحدث معها جون أن يعرف أنها من أسرة غنية، فتتحدث معه الفتاة.
وبحسب القائمين، فإن رسالة الفيلم هو معالجة أزمة الطبقية التي تزداد يوما بعد يوم في المجتمع الصومالي، للتأكيد أن المشردين هم من البشر لكن انقطعت بهم سبل الحياة، ورغم كل ذلك يتمسكون بالأمل ويؤمنون بأن الأشخاص الآخرين ليسوا أفضل حالا منهم كأفراد، لكن فقط ساعدتهم ظروف الحياة.
وتحدثت "العين الإخبارية" مع بطلة الفيليمين، كيف جامع، ومدير الشركة المنتجة، عبدالهاكان بشير، حول حيثيات العرض السينمائي والتحديات التي واجهتهما خلال إعداد هذا العمل ومستقبل السينما المحلية.
وقالت كيف جامع، "إنها واجهت تحديات جمة من بينها بأن غالبية الصوماليين يعتقدون بأن عالم السينما لا مستقبل له، كما أن غياب الدعم في بدايات التمثيل كان عقبة أخرى".
وتحكي "جامع" قصة طريفة، بأن والدتها قالت لها ذات يوم إنها على استعداد لمنحها الأموال إذا قررت التخلي عن حلمها في الغوص بعالم السينما".
وتعمل "جامع" كاتبة السيناريو أيضا، وتعد جميع الأعمال التي تشارك في التمثيل بها، وتنوي مستقبلا الخروج إلى العالمية ككاتبة سيناريو، كما تنشر أفلاما قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتساعد المواهب الشابة لتحقيق إنجازات في الأعمال السينمائية.
وتم إعداد الفيلمين السينمائيين في مصر، وعن سبب اختيار القاهرة تقول "جامع": "مصر مكان إقامتي، كما أنه من الصعب إعداد أعمال وتسجيل أفلام سينمائية في مقديشو بسبب الظروف الأمنية".
ولفتت "جامع" إلى أن نظرتها للصومال تغيرت بشكل جذري بعد مشاهدتها لاستجابة الشارع الصومالي وردود الفعل الإيجابية لأعمالها، كما تستعد لإخراج أفلام جديدة خلال الأعوام المقبلة.
بدوره، يقول مدير الشركة المنتجة "SULTAN FILMS" عبدالهاكان بشير، إن الأفكار التي دفعت الشركة لإنتاج هذه الأعمال السيمائية كثيرة، منها الإقبال الكبير على مشاهدة الأفلام في الصومال رغم حالة الغياب التام للأعمال.
كما يرى عبدالهاكان أنه من الأهمية أن تروي أيادي صومالية القصة الصومالية بدلا من أعمال أجنبية لا تهتم بالثقافة المحلية وتقاليدها، مؤكدا أن المواهب الصومالية تحتاج إلى فرصة لعرض مواهبها خاضة في ظل وجود قصصا صالحة للأعمال سينمائية.
أما تحديات الإنتاج، يقول عبدالهاكان إن قدرة الإنتاجضعيفة جدا، كما أن هناك ندرة في المعدات، وصعوبة في إيجاد وإقناع ممثلين للمساهمة في الأعمال، كما أن الوصول إلى مناطق القصص في البلاد صعب جدا بسبب الظروف الأمنية، موضحا أن كل هذا وأكثر مجرد جزء من تحديات تواجه شركات الإنتاج.
ومن بين التحديات أن هذه الأعمال لا تحظى بدعم حكومي، بل يتم استئجار خشبة المسرح من قبل الشباب الذين يريدون عرض أعماله.
جدير بالذكر أن المسرح الوطني في الصومال تم إنشاؤه عام 1967 بدعم من الصين، وفي الفترة ما بين تشييده وحتى 1991 كان منارة فن الغناء والرواية الصومالية.