إكسبو أوساكا 2025.. اليابان تكشف ملامح مستقبل قائم على إعادة التدوير

لطالما كانت معارض إكسبو العالمية أكثر من مجرد معارض، بل هي بمثابة آلات زمنية تُقدم لمحات عن المجتمعات التي قد نعيشها بعد 20 أو 30 أو 40 عامًا.
ومن المصعد الذي كُشف عنه في معرض نيويورك عام 1853، إلى الغسالة التي عُرضت عام 1862 في لندن، والآلة الكاتبة التي عُرضت في فيلادلفيا عام 1876، أصبحت العديد من الاختراعات التي كانت تُعتبر مستقبلية في السابق، والتي ظهرت لأول مرة في معارض إكسبو السابقة، من أساسيات حياتنا اليومية.
وقدّم معرض أوساكا الياباني عام 1970 مفاهيم مثل الهواتف المحمولة ووجبات السوشي على الحزام الناقل، وهي تقنيات أصبحت من سمات الحياة اليومية في العالم الحديث.
فتوحات الفضاء
ويستمر هذا التقليد اليوم في معرض إكسبو 2025 في أوساكا، حيث استكشف هذا التجمع، الذي يضم 158 دولة ومنطقة، إلى جانب سبع منظمات دولية، رؤىً جريئة لمستقبل مستدام.
فمثلا، يُعيد جناح الولايات المتحدة الأمريكية تقديم صخرة القمر الشهيرة التي أسرت الزوار في آخر مرة أُقيم فيها معرض إكسبو في أوساكا عام 1970، أي بعد عام من هبوط البشر بنجاح على سطح القمر بفضل مهمة أبولو 11.
وفي عام 2025، ستُذكرنا هذه الصخرة ببرنامج أرتميس، وهي مبادرة دولية جريئة لإنشاء قاعدة قمرية وإرسال البشر في نهاية المطاف إلى المريخ.
يُقدم جناح اليابان كنزًا سماويًا مشابهًا، صخرة مريخية نادرة، ترمز إلى الخطوة التالية في استكشاف الفضاء.
وترمز هذه العينات السماوية إلى طموح البشرية المتزايد للوصول إلى ما وراء الأرض، كما تُثرينا في الوقت نفسه بأسئلة جوهرية حول أصول الحياة ومسؤولياتنا الكوكبية.
حوار عالمي حول الاستدامة
ووفق وكالة رويترز، فإن اليابان، الدولة المضيفة، تغتنم هذه الفرصة لقيادة حوار عالمي حول الاستدامة والمجتمع الدائري، حيث يجسد جناح اليابان، المبني من خشب الأرز المحلي بهيكله الدائري، دورة الحياة.
ويضم الجناح محطة غاز حيوي عاملة، توضح كيف يمكن أن تتحلل نفايات الطعام من المعرض بواسطة الكائنات الدقيقة وتتحول إلى ماء وطاقة.
ولا يكتفي الزوار بمشاهدة هذه الدورة، بل يتجولون خلالها، ليصبحوا جزءًا من القصة، ويصبح الجناح "هيكلًا حيًا"، يتيح للناس تجربة كيف يمكن للنفايات أن تصبح مصدرًا للطاقة والاستمرارية.
هذه الرؤية متجذرة بعمق في التقاليد اليابانية، ولأكثر من ألف عام، تبنت اليابان فلسفة جمالية وثقافية تُقدّر المرونة والتجديد، ومن الأمثلة الحية على ذلك ضريح إيسي جينغو، أحد أقدس أضرحة الشنتو في اليابان.
وكل 20 عامًا، يُعاد بناء الضريح وفقًا لطقوس عمرها قرون تُعرف باسم "شيكينين سينجو"، ولا يقتصر النهج على بناء هياكل متينة، بل على تصميمٍ يضمن الاستمرارية، حيث يُنقل القديم ويغلب عليه التجديد.
وتُختار المواد ليس لديمومة بقاءها، بل لقابليتها لإعادة الاستخدام والتوجيه والتجدد، بهذه الطريقة، يبقى المكان المقدس نابضًا بالحياة، نقيًا، ونابضًا بالحياة الروحية.
اليابان النابضة بالحياة
ويُرسي جناح اليابان في إكسبو 2025 هذه الفلسفة من خلال ربطها بأحدث التقنيات، ومن الأمثلة على ذلك استخدام البكتيريا المؤكسدة للهيدروجين التي طورتها شركة كانيكا لتصنيع المواد الكيميائية.
وتستهلك هذه الكائنات الدقيقة ثاني أكسيد الكربون وتحوله إلى بلاستيك قابل للتحلل الحيوي، وهو حل مبتكر لإدارة النفايات والتأثير البيئي للمواد البلاستيكية التقليدية، وتُجسد هذه التقنية فلسفة إكسبو: مواجهة التحديات العالمية من خلال ابتكارات التدوير.
ومع ذلك، ليست الشركات الكبرى وحدها من تقود هذا التوجه، حيث يُسلط إكسبو 2025 الضوء أيضًا على شبكة اليابان النابضة بالحياة من الشركات الناشئة والباحثين الأكاديميين والمؤسسات الإقليمية.
وتُثبت مساهماتهم أن التقدم التكنولوجي لا يقتصر على المدن الكبرى أو الشركات متعددة الجنسيات.
على سبيل المثال، مجموعة شيتوس، وهي شركة ناشئة مقرها كاواساكي، تُحدث ثورة في مجال الطاقة الحيوية من خلال الطحالب.
وبفضل كفاءتها الاستثنائية في التمثيل الضوئي، تتمتع الطحالب بالقدرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى مادة عضوية تُستخدم كمصدر للطاقة.
وتتطلع الشركة إلى "ثورة في التمثيل الضوئي" - مستقبل تعتمد فيه جميع الصناعات على الطاقة الشمسية، مُحاكيةً بذلك العمليات المستدامة للطبيعة.
ولم يكن إكسبو 2025 مجرد معرض، بل منصة للتعاون، إلى جانب المعارض المادية، ويقترب المعرض من ختامه، بعد أن شهد مبادرات ربطت بين أعمال مبتكري اليابان الإقليميين بالجهات المعنية العالمية.
وقد يغرس هذا التبادل العابر للحدود بذور شراكات جديدة، مما يساعد التقنيات المحلية اليابانية على التوسع دوليًا.
في نهاية المطاف، تكمن قوة إكسبو 2025 في رؤيته الجماعية، فهو يجمع الطاقات والابتكارات من جميع أنحاء العالم ومن كل ركن من أركان اليابان - من المختبرات الأكاديمية ومراكز الشركات الناشئة إلى الممارسات الروحية العريقة.
وتعكس هذه المساهمات المتنوعة وعدًا أساسيًا للمعرض، مستقبل أكثر استدامة يُبنى بالتعاون بين مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، كلٌّ منها يُقدم قيمه وتقاليده وإبداعه.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjgg
جزيرة ام اند امز