محادثات مصر وتركيا.. طريقان لا ثالث لهما وتفاؤل حذر
تستأنف مصر وتركيا، غدا الثلاثاء، الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، بعد نحو 4 أشهر على انتهاء الجولة الأولى.
وفيما استضافت القاهرة الجولة الأولى من المحادثات ولم تسفر عن نتائج ملموسة على صعيد تطبيع العلاقات بين البلدين، تستضيف تركيا الجولة الثانية على مدار يومين انطلاقا من الغد.
وقبل يوم من المحادثات، أعرب خبراء سياسيون في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية" عن "تفائل حذر" إزاء نتائج الجولة الثانية، بعد أن وصفها هؤلاء الخبراء بـ"الكاشفة" لطبيعة ومسار العلاقات لاحقا، والتي انقطعت بين الجانبين منذ ثورة 30 يونيو عام 2013 والإطاحة بحكم الإخوان في مصر.
محادثات كاشفة
الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وصف في حديث لـ"العين الإخبارية"، الجولة الثانية من المباحثات بأنها "كاشفة"، وقال: "إذا ما أسفرت الجولة الجديدة من المباحثات عن تقدم ما، فسيكون طريق التطبيع صعب وطويل، أما إن لم نجد أي إشارات إيجابية، فستتعقد الأمور بشكل كبير".
وأضاف: "تبين من جولة المباحثات الأولى بين البلدين أن هناك أمورا عديدة لازالت غير محسومة، وأننا بحاجة إلى تقييم الموقف"، متابعا "إجراء جولة ثانية يعطي الأمل بأنه قد يكون هناك جديد على صعيد التطبيع".
ونبه في هذا الصدد إلى أنه "عقب الجولة الثانية، يمكن تحديد ما إذا كان المسار سيفضي إلى تطور حقيقي في علاقات البلدين أم أن الأمور شديدة التعقيد".
"في ملعب تركيا"
ورأى يوسف أن هناك مؤشرات على أن الجانبين لا يريدان التصعيد، وحريصان على استطلاع إمكانيات التهدئة، مضيفا "الكرة الآن في الملعب التركي؛ لأن السياسة المصرية ليس لها أي اطماع تجاه أى أمر يتعلق بأنقرة".
وأكد المحلل السياسي المصري أن "المشروع التركي في المنطقة متعدد الأبعاد، ويحمل أبعادا عديدة لابد من تسويتها، فالأمر لا يتوقف فقط عند حدود ملف الإخوان والقنوات العدائية التي تبث من أنقرة".
وأوضح: "المشروع التركي يحمل أبعادا عديدة في المنطقة، بينها الملف الليبي، وشرق المتوسط، وما يتعلق أيضا بالسياسة التركية تجاه كل من العراق وسوريا، وجميعها ملفات ليست موضع اتفاق مع الجانب المصري".
وتابع: "تجاوز وعبور مواطن التناقض في المواقف بين البلدين عملية شاقة وليست بالأمر السهل، وقد لا تنجح أو لا تكتمل".
قضايا عالقة
يوسف أشاد بالبيان الصادر عن مصر وتركيا عقب مباحثات الجولة الأولى في مايو أيار الماضي، قائلا "البيان الصادر عن الجولة بيانا واقعيا صادقا، حين أشار إلى أن المحادثات تمت فى جو من الصراحة، وأنها ركزت على تقييم الموقف، ولم يقل أنجزنا أو سنفعل".
وتابع "نستنتج أنه مازالت هناك قضايا معلقة ومازال هناك عدم تأكد من طرف أو من الطرفين من مدى ملائمه التطور الذى حدث في الموقف الآخر بما يدفع إلى عودة العلاقات إلى سابق عهدها".
في سياق متصل، رأى يوسف أن تبادل الجانب المصري والتركي بيانات تضامنية أمس على خلفية وقوع حوادث سير بالقاهرة وأخرى تتعلق بحادثة قطار في أنقرة، يعكس حرص من الطرفين على استغلال أي فرصة لتحقيق التقدم.
وكانت تركيا أعربت أمس الأحد، عن تعازيها لمصر في حادث انقلاب حافلة رحلات سياحية بطريق السويس– القاهرة، شمال شرقي مصر، وأسفر عن مصرع 12 شخصا.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان: "علمنا ببالغ الحزن نبأ وفاة وإصابة العديد جراء انقلاب حافلة كانت متجهة من مدينة شرم الشيخ إلى القاهرة في مصر".
وأكمل البيان: "نسأل من الله أن يتغمد برحمته من فقدوا أرواحهم في الحادث، والشفاء العاجل للمصابين، ونقدم تعازينا إلى مصر".
وبعد البيان بدقائق، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا بشأن حادث الاصطدام بين قطار وحافلة بتركيا، قالت فيه: "تابعت مصر بكل حزن وأسى الأنباء الواردة بشأن الحادث الذي أسفر عن وقوع ضحايا ومصابين”.
وأكمل البيان: "تعرب جمهورية مصر العربية عن خالص تعازيها لأسر ضحايا هذا الحادث الأليم، كما تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل للمصابين".
تفاؤل حذر
وبلهجة حملت "تفاؤلا حذرا"، تحدث الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن توقعاته لمخرجات ونتائج جولة المحادثات الثانية.
وقال عبد الفتاح في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن "هناك خطوات اتخذتها أنقرة على طريق التقارب مع أطراف عربية بارزة، علاوة على وجود إشارات إيجابية أخرى قد تجعل جولة المباحثات الثانية مختلفة عن الأولى".
وشرح الخبير في الشأن التركي: "رهنت مصر مسار التطبيع بحدوث اختراق في علاقات أنقرة بأطراف خليجية، ودول شرق المتوسط في قبرص واليونان، وكان الموقف المصري واضحا أنه لا تقارب مع تركيا على حساب هذه الدول".
مؤشرات إيجابية
عبد الفتاح قال أيضا "بدا أن هناك تجاوبا تركيا نسبيا خلال الفترة الأخيرة مع بعض المطالب المصرية وليست كلها، وهو ما شجع الأخيرة على قبول الدعوة لجولة ثانية من المحادثات".
كما أشار عبد الفتاح إلى وجود مؤشرات ايجابية أخرى للعلاقات بين البلدين قبل الجولة الثانية، أبرزها التقارب المصري القطري الذى يعد مقدمة لكسر الجليد ما بين الجانبين على اعتبار أن الدوحة وأنقرة كانتا تشكلان كتلة واحدة فى مواجهة القاهرة، إضافة إلى الوضع أيضا فى أفغانستان، وانسداد الأفق فى في عملية السلام مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، وجميعها عوامل تشير إلى المساعدة في وجود تقارب تركي عربي، يأتي فى سياقه التقارب المصري التركي.
كما أشار عبد الفتاح إلى أن تأكيد الجانب المصري على وحدة الجزيرة القبرصية، ورفع مستوى الشراكة بين البلدين والرعاية الرئاسية للجان المشتركة من أجل تعزيز التعاون، ستحض تركيا على ضرورة اتخاذ خطوات لاسترضاء الجانب المصري.
"استكشافية"
بيد أن عبد الفتاح استدرك قائلا: "لكن هذه المحادثات ستظل جولات استكشافية لحين استعادة العلاقات بنفس قوتها السابقة".
وأوضح الخبير المصري أن "الجولة الثانية ستدرس ماذا جرى خلال الفترة الماضية، والخطوات الإيجابية التي تحققت، وضرورات التقارب، ومحفزات التفاهم، وجميعها أمور تصب فى نجاح الجولة الثانية وتحقيق نتائج بشكل أفضل من الجولة الأولى".
كما أتفق عبد الفتاح مع ما ذهب إليه أحمد يوسف، بأن البيانات التضامنية المتبادلة بين الجانبين المصري والتركي أمس، تحمل "إشارات بأن كل طرف حريص على التقارب مع الجانب الآخر، والجميع ينتهز الفرص لإثبات حسن النوايا.
بدوره، قال الدكتور جواد غوك المحلل السياسي التركي أن وسائل الإعلام في أنقرة ومؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة تتوقع التوصل لنتائج إيجابية في الجولة الثانية، واختراق في مسار التطبيع بعد قطيعة استمرت 8 سنوات.
وشدد غوك على أن قطاعات كبيرة داخل المجتمع تحث الحكومة على ضرورة تذليل العقبات من أجل تحقيق نتائج ملموسة في سبيل عودة العلاقات مع مصر لطبيعتها، ويحذرون في الوقت ذاته من فشل الجولة الثانية وانعكاس هذا الأمر على مزيد من عزلة النظام التركي عربيا وإقليميا".
وتعود المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا عقب تعثرها، بإعلان القاهرة عن زيارة مرتقبة لنائب وزير خارجيتها حمدي لوزا إلى أنقرة، في زيارة رسمية ستكون الأولى لوفد مصري إلى تركيا منذ 8 أعوام، بعد تدهور العلاقات في أعقاب سقوط حكم تنظيم الإخوان في يوليو/ تموز 2013، وإيواء أنقرة عددا كبيرا من عناصر التنظيم.
وفي بيان صدر الثلاثاء الماضي، قالت الخارجية المصرية: "استجابة للدعوة المقدمة من وزارة الخارجية التركية، يقوم نائب وزير الخارجية بزيارة إلى أنقرة يومي 7 و8 سبتمبر/أيلول 2021، لإجراء الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا".
وبعد فترة من التودد لمصر، أعلنت أنقرة في مارس/آذار الماضي استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر، كما وجهت وسائل الإعلام الإخوانية العاملة على أراضيها بتخفيف النبرة تجاه القاهرة.
وفي 14 أبريل/ نيسان الماضي، أعلن زير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو "بدء مرحلة جديدة ستشهدها علاقات البلدين"، مشيراً إلى أنه ستكون هناك "زيارات ومباحثات متبادلة في هذا الإطار"، وهو ما أثمر أول لقاء من المحادثات الاستكشافية بين الطرفين، جرت بالقاهرة، في مايو/ أيار الماضي.
وفي 5 و6 مايو/أيار الماضي، توجه وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال إلى القاهرة في أول زيارة من نوعها منذ 2013، وأجرى محادثات "استكشافية" مع مسؤولين مصريين بقيادة "لوزا" لبحث التقارب وتطبيع العلاقات.
وفي يونيو/حزيران الماضي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن خطوات تركيا ضد الإخوان غير كافية، مضيفا في تصريحات إعلامية: "نتوقع أن تصاغ العلاقات المصرية التركية على أساس المبادئ التي تحكم العلاقات الدولية المستقرة، بما في ذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار، وعدم السماح بأي نشاط على أراضي الدولة في إطار زعزعة استقرار دولة أخرى".
وتتمسك القاهرة بخروج أنقرة غير المشروط من الأراضي الليبية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والالتزام بمبادئ حسن الجوار مع دول المنطقة.
aXA6IDMuMTQ0LjEyMi4yMCA= جزيرة ام اند امز