فاروق شوشة.. حليف الشعر واللغة العربية الجميلة
تمر الثلاثاء الذكرى الـ82 لميلاد الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة الذي ترك سيرة عامرة مقرونة بما أحب "اللغة العربية" و"الجمال".
كان له نصيب كبير من اسم قرية مولده.. "قرية الشعراء".. التي تربى وحفظ بها القرآن الكريم كاملا حتى بلغ العاشرة من عمره، تمرس على حب اللغة العربية، وذاق وقعها على القلب، فسخر لها مشروعه الأدبي والمهني، وصار أحد كبار شعرائها وقاماتها على مدار عمره الذي بدأ في مثل هذا اليوم 9 يناير كانون الثاني 1936.
ذكرى جديدة تمر على الراحل تحتفل بها مصر والعالم العربي وهي ذكرى ميلاده الـ82، الذكرى التي تمر على الآلاف على وقع صوته الإذاعي الرخيم وهو يقول :"لغتنا الجميلة" عنوان أحد أشهر برامج الإذاعة المصرية التي ارتبطت باسم الشاعر فاروق شوشة واستمر لسنوات طويلة.
البرنامج كان بمثابة الرحلة اليومية في محيطات الشعر العربي، يستخرج فاروق شوشة جمالياتها وصورها البديعة كغواص معياره اللؤلؤ، يصدح بصوته الذي لا تخطئه أذن أبيات لبشار بن برد، وأبي القاسم الشابي وجميل بن معمر، وغيرهم العشرات على مدار تاريخ الشعر العربي.
البرنامج كان يستهل ديباجته ببيت لشاعر النيل حافظ إبراهيم "أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي" بداية مُكملة لحالة تقصي الجمال التي كان يتحراها شوشة على مدار تاريخه.
كانت "لغتنا الجميلة" تمر على تساؤلات المستمعين في تفاعل حميم مع محبي العربية وشعرائها، ما جعله يحقق المعادلة الصعبة بين المحتوى المتخصص نسبيا، وبين القدرة على جذب المستمعين آنذاك.
بدأ مشوار شوشة مع الإذاعة المصرية عام 1958، وتدرج في وظائفها حتى أصبح رئيساً لها 1994، كما عمل أستاذاً للأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وإلى جانب "لغتنا الجميلة" قدم فاروق شوشة للتليفزيون برنامج"أمسية ثقافية" منذ عام 1977، وكان أول ضيوفه هو الأديب الراحل نجيب محفوظ، كما أجرى خلاله مقابلات مع أهم رموز الثقافة المصرية ومنهم يوسف إدريس، وأمل دنقل، وعبدالرحمن الأبنودي.
اعتمر الراحل عددا من القبعات المهمة منها أنه كان عضوا لمجمع اللغة العربية، ورئيسا للجنتي النصوص بالإذاعة والتلفزيون، وعضوا لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسا لجنة المؤلفين والملحنين، كما شارك في مهرجانات الشعر العربية والدولية.
أما الشعر فاتكأ شوشة على ملكته وبيانه ورهافته لإنجاز دواوين شعرية لافته منها: "إلى مسافرة"، 1966، "العيون المحترقة" 1972، "لؤلؤة في القلب" 1973، "في انتظار ما لا يجيء"1979، "الدائرة المحكمة "1983، "الأعمال الشعرية" 1985، "لغة من دم العاشقين" 1986، "يقول الدم العربي"، 1988، "سيدة الماء" 1994، "وقت لاقتناص الوقت"، 1997،"الجميلة تنزل إلى النهر"، 2002
وكان للراحل تجربة في شعر الطفل في ديوانه "حبيبة والقمر"، ومؤلفات نثرية منها "أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي"، "أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي" ،"العلاج بالشعر" ،"لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة" و"مواجهة ثقافية" و"عذابات العمر الجميل (سيرة شعرية)".
حصل فاروق شوشة على عدد كبير من الجوائز والتكريمات منها جائزة كفافيس العالمية عام 1991، كما حاز على جائزة النيل وهي أعلى وسام يتم منحه للأدباء في مصر عام 2016.
كان الراحل يؤمن أن "اللغة العربية ستظل جميلة، ولن يزيدها توالي القرون، وكذلك التحديات إلا مزيداً من تعلق أهلها بها، بل واتساع وتيرة انتشارها، بفضل ثرائها وامتلاكها المقومات الحقيقية للجمال"، وظل يقين شوشة رفيقا له حتى رحيله عن عالمنا في 14 أكتوبر تشرين الأول عام 2016 بقرية الشعراء، موطن مولده بمحافظة دمياط، وظل هذا اليقين موصولا في سيرته التي تركها، وفي ذاكرة محبيه وقرائه في العالم العربي، مخلدا اسمه مقرونا بما أحب"اللغة العربية" و"الجمال".