المخرج العراقي عباس فاضل: شعرت بالخوف قبل تقديم "يارا"
المخرج العراقي عباس فاضل يكشف تفاصيل مغامرته السينمائية بتقديم فيلم مختلف عن السينما التجارية السائدة، وبدون ممثلين محترفين
نجح المخرج العراقي عباس فاضل بفيلمه "يارا" في أن ينتزع مؤخرا الجائزة الكبرى لمهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، في عرضه العربي الأول، بعد أن شارك به في كثير من المهرجانات الكبرى حول العالم، أهمها مهرجان لوكارنو في سويسرا، وحظي بحفاوة نقدية كبيرة.
في حواره مع "العين الإخبارية"، يكشف المخرج عباس فاضل تفاصيل مغامرته السينمائية بتقديم فيلم مختلف عن السينما التجارية السائدة، وبدون ممثلين محترفين، وأسباب اختياره لبنان مكانا لتصوير أحداث الفيلم، وكذلك تجربته في الفيلم الوثائقي "حق الخبزات" الذي يتناول من خلاله قضية اللاجئين السوريين.. فإلى نص الحوار:
كيف رأيت عرض فيلمك "يارا" لأول مرة عربيا في مهرجان الدار البيضاء؟
أنا أحب المغرب وهي قريبة من قلبي، وصناعة السينما المغربية تعدّ جيدة مقارنة بكثير من الدول العربية، وشيء مهم أن يكون أول عرض عربي للفيلم في المغرب، وأعتقد أن المغرب كان الاختيار المناسب حيث كان استقبال الجمهور للفيلم رائعا.
"يارا" فيلم مختلف عن السينما السائدة في العالم العربي، والحوار به قليل، ألم تشعر بالخوف وأنت تصنع فيلمك من عدم تفاعل الجمهور معه؟
بالتأكيد، فعندما أصنع فيلما مختلفا تماما عما اعتاد عليه الجمهور لا بد أن أشعر بالخوف، فالجمهور العربي تعود على الأفلام الأكشن الأمريكية والأفلام المصرية التي تعتمد على الحوار والحبكة، لكنني كمشاهد لا أحب هذه النوعية من الأفلام.
وقدمت فيلم "يارا" وأنا أعلم أنه سيواجه سوء فهم عند بعض المشاهدين عموما وليس العرب فقط، فالسينما الطاغية في مختلف أنحاء العالم هي السينما الأمريكية، لكنني درست السينما وحصلت على الدكتوراه بها، ومارست النقد السينمائي، ودرست عند مخرجين عالميين كبار، وليس من المنطقي بعد كل ذلك ألا أقدم أفلاما تحتوي على وجهة نظري، فأنا لدي وجهة نظر أحاول أن أطبقها في أفلامي.
والمخرج روبرت بريسون له مقولة مهمة هي: "المخرج الذي يستطيع أن يبدأ بصناعة فيلم بإمكانات صغيرة قادر على صناعة فيلم بإمكانات كبيرة، بينما المخرج الذي يبدأ بإمكانات كبيرة ليس شرطا أن يستطيع صناعة فيلم بإمكانات صغيرة"، وعموما من الصعب أن تصنع شيئا بسيطا.
لماذا اخترت لبنان مكانا لأحداث فيلم "يارا"؟
السبب في ذلك المنتجة اللبنانية نور بلوق، فقبل بدء تصوير الفيلم نشرت إعلانا على "فيسبوك" وطلبت من أصدقائي الفرنسيين مواصفات مكان للتصوير، وقلت إني أريد التصوير في حقل معزول بقرية نائية بفرنسا.
وخلال نحو 4 شهور تلقيت كثيرا من الاتصالات من فرنسيين أغلبهم يعملون في السينما، لكن لم أجد المكان الموجود في خيالي، والمكان في فيلم "يارا" هو البطل، ولا وجود للفيلم بدون المكان، لكن نور بلوق طلبت مني أن أذهب لتصوير الفيلم في وادي قاديشا بلبنان، وذهبت وأجريت معاينة لبنان ووجدت أن المكان مناسب بل أجمل مما تخيلت.
وبما أن التصوير أصبح في لبنان كان لا بد أن أستعين بممثلين من لبنان وأن أجري تعديلات على القصة الأصلية، فالقصة الأصلية كانت سوداوية بعض الشيء، ولكن طبيعة لبنان ضد الموت والانتحار، فعدلت الموضوع لينطبق على المكان الذي صورت به.
ألا تعدّ الاستعانة بممثلين غير محترفين مخاطرة كبيرة وأنت تقدم فيلما خاصا مثل "يارا"؟
إطلاقا، بل أعتقد أن المخاطرة كانت الاستعانة بممثلين محترفين، فكل الممثلين بالفيلم من المنطقة نفسها ويحكون اللهجة نفسها، وحتى الممثلة ماري القاضي التي قدمت دور الجدة فهي تسكن في الحقل نفسه الذي صورنا به، وتقريبا قدمت دورها في الحياة.
والمخرج الفرنسي الشهير جان رينوار له مقولة مهمة وهي "الإخراج هو رهان الممثلين"، ويقصد أن أهم شيء يفعله المخرج هو اختيار الممثلين، فلو اختارهم بشكل جيد سينجح فيلمه، ولو اختارهم بشكل سيئ فمهما فعل سيكون الفيلم فاشلا.
وأنا لم أحب أول أفلامي الروائية الطويلة "فجر العالم" لم أحبه رغم أنه عرض في المهرجانات وفاز بالجوائز لأنه فرض عليّ النجوم، رغم أنهم كانوا نجوما كبارا مثل هيام عباس، وحفصية حرزي التي عملت مع عبداللطيف كشيش في فيلم "كسكس بالبوري"، وأنا أحبهم كممثلين لكنهم كانوا يقدمون شخصيات عراقية، وكنت أفضل الاستعانة بممثلين عراقيين من أجل الصدق الفني، لكن التوزيع فرض وجود هؤلاء النجوم.
ماذا عن فيلمك الوثائقي الجديد "حق الخبزات"؟
الفيلم عن اللاجئين السوريين، والعرض الأول للفيلم كان في مهرجان نيويورك، ثم عرض في تشيلي، وفي الأرجنتين، وفي مهرجان الرباط لسينما المؤلف بالمغرب، والفيلم عن اللاجئين السوريين في وادي البقاع بلبنان، وهو مختلف تماما عن "يارا" لكن يشبهه في أنه عن مكان له خصوصيته أيضا.
ما سر حرصك على التنقل بين الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية؟
أنا لا أفرق بين الأفلام الوثائقية والروائية، لكني أفرق بين السينما وغير السينما، فكثير من الأفلام التي شاهدتها بالنسبة لي ليست سينما، ولكنها أشبه بأفلام تلفزيونية أو مسرحيات مصورة، لأنها ليست بها لغة سينمائية، بينما قد نشاهد فيلما وثائقيا به لغة سينمائية.
كمخرج عراقي، كيف ترى واقع السينما ببلادك في الوقت الحالي؟
حتى عام 2003 تقريبا لم تكن هناك سينما عراقية، كان هناك ما يسمى السينما الرسمية تنتج فيلما عراقيا واحدا في السنة لأسباب دعائية، لكن بعد عام 2003 خرج جيل جديد من المخرجين الشباب العراقيين الموهوبين، والعراق به قصص ومآسٍ كثيرة تصلح للسينما، وساعدهم وجود كاميرات الديجيتال في إنجاز أعمالهم، فظهر جيل جديد من السينمائيين العراقيين.