آية قرآنية تكشف هوية عراقية تفحمت جثتها.. حكايات من حريق الناصرية
"لا جديد في العراق سوى الكوارث والفجائع التي لامناص من تلافيها مهما بلغت المحاذير" كما يقول مواطن عراقي يسكن مدينة الناصرية جنوبي البلاد، المنكوبة أمس بالحريق، وقبل ذلك يضربها الفقر والبطالة والإهمال.
ويستدرك عدي الغزي، الذي حضر لمساعدة أحد أقاربه في انتشال جثة عالقة بين حطام مستشفى الحسين: "أي بلد يحرق مرضاه ويحطب أبناءه للحروب".
ينشغل "الغزي" بأعمال رفع الانقاض مع مجموعة من الشباب الذين بدت عليهم حالات الإعياء والتعب بعد أن قضوا ساعات طوالا منذ ليل أمس، ولكن رغم ذلك لم تفلح جهودهم في العثور على مريضهم المفقود في فاجعة "الحسين".
على بعد أمتار، تجمهر آخرين عند أسفل سقف "حديدي" كان قد هوى على الأرض نتيجة شدة الاحتراق، بعد أن كشف أحد المنقذين وجود جثة متفحمة تحت ركام ذلك الحطام.
ينجح شاب تعرى جسده من الأعلى ولف على مقدمة وجه قميص رياضي، في سحب الجثة المتفحمة فيما كان آخر يقترب منه صارخاً "انتظروا تبدو وكأنها شقيقتي"، ولكن لا شيء يدل على ذلك سوى قلادة توشحت بآيات من سورة قرآنية.
"كان حريقا مهولا اختلطت فيه الأجساد والجدران البلاستيكية والأسرة الحديدية، حتى أمست أشكالاً أشبه بطلاسم وخرائط معقدة القراءة والفهم"، كما يوضح عنصر أمني اشترك مع فريق من الدفاع المدني في انتشال وإنقاذ العالقين في المبنى المحترق.
يشير حسن عودة، إلى أن "المهمة بالغة التعقيد ليس في إنقاذ العالقين وانتشال الجثث المتفحمة وإنما في إمكانية الوصول للردهات في ظل حريق متسارع هائج".
بدت على حسن إصابات حروق أعلى جبهته وأطراف فكه الأسفل، أكد أنه أصيب بها جراء عمليات أمس، ولكنها لا تقارن بما طال الراقدين من فاجعة ومأساة بحسب قوله.
ذهب مبشراً وعاد منكوباً
حتى مساء أمس، كانت عائلة ذي قارية مسرورة بخبر تحسن والدهم المصاب بجائحة كورونا، مما دفع أبنه علي، الذي كان يرافقه خلال رقوده، أن يستعد لنقله إلى المنزل صباح اليوم التالي".
غادر علي المستشفى قبل اندلاع الحريق بنحو ساعة، قاصدا داره الذي يقع عند منطقة نائية في أطراف الناصرية، على أمل العودة لوالده عشية تلك الليلة ولكن للنيران كلمة وقرار آخر".
كان علي، للتو عثر على جثة والده عند مبنى الطيب العدلي، في ساعة متأخرة من ليل الحادث. ويتحدث الشاب العشريني والدموع تسبق كلماته قائلا: "ودعته بأمل وفرحة وعدت إليه فوجدت جثة متفحمة".
وفي وقت كان يكافح فيه الأهالي مع فرق الدفاع المدني للسيطرة على الحريق وإيقاف زحفه، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بعشرات المقاطع المصورة التي تظهر فداحة الحادث وشدة التدمير الذي أصاب المستشفى "الكرفاني".
وكانت "صحة محافظة ذي قار"، شيدت إبان انتشار الجائحة في العراق، مطلع العام الماضي، مركز النقاء سعة 100 سرير لمرضى كورونا مستخدمة جدران "السندويتش بنل"، الذي يعرف بفقدانه لأدنى متطلبات السلامة.
ويأتي مركز "النقاء"، واحدا من 4 مواقع عزل لمرضى كورونا تابعة لمستشفى الحسين في محافظة ذي قار.
وكانت دعوات حكومية وشعبية دعت إلى توفير متطلبات الأمان والسلامة لتلك المراكز بعد الفاجعة التي تعرض لها مستشفى بن الخطيب في بغداد، في أبريل/ نيسان الماضي.
عوائل اندثرت بالكامل
في أحد أحياء مدينة الناصرية، شيع العشرات من أبناء المنطقة جثامين 6 أشخاص من عائلة واحدة لقوا مصرعهم في حادثة مركز النقاء" .
وعند حي مجاور، تتشابه الكوارث، حيث تجرى مراسيم تشييع آخر خمسة أشخاص من عائلة واحدة قضوا حرقاً في فاجعة مستشفى الحسين.
في بيت آخر، كان شابان يصرخان، وثيابهما متهدلة، على فقدان والدتهم وأخيهم الأصغر وهم يستعدون للتوجه نحو الدفن ومواراة جثثهما في مقبرة تقع عند مدينة النجف، وسط العراق.
وبحسب آخر الإحصائيات شبه الرسمية لدوائر الصحة العراقية، وصلت أعداد الضحايا في حادث حريق مستشفى الحسين، إلى 92 شخصا وإصابة أكثر من 50 آخرين.
ولا يزال حتى الآن، أكثر من 22 جثة بين الضحايا مجهولة الهوية ومن الصعب التعرف على ملامحها جراء شدة الحروق التي طالتها.
وتشير الأنباء الأولية لفرق التحقيق إلى أن الحريق نشب في غرفة مخصصة لقناني الأكسجين سرعان ما اشتعلت النيران بأجزاء المبنى وصاحب ذلك أصوات انفجارات متكررة.
وكانت السلطات العراقية أعلنت بعد ساعات من وقوع الفجيعة الحداد العام في البلاد لمدة 3 أيام، وتشكيل لجنة تحقيق رفيعة المستوى للوقوف على التفاصيل ومعرفة المقصرين.
وتشكل محافظة ذي قار، ومركزها الناصرية، المحرك الرئيس للكثير من التظاهرات الحاشدة التي شهدها العراق خلال العقدين الماضيين.
وتسجل المحافظة بين الحين والآخر حركات احتجاجية غالبا ما تنتهي بالتصعيد وسقوط ضحايا، تقع أسباب اندلاعها تحت مطالب تحسين الأوضاع المعاشية وتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد.
وتعاني ذي قار منذ سنوات، إهمال حكومي وفساد مؤسساتي أحالها إلى الفقر والبطالة وانعدام أبسط الخدمات الحيوية بحسب متابعين للشأن.