
بعد الإعلان الرسمي عن وفاة بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، يُسلّط الاهتمام على قطعة صغيرة الحجم، عظيمة الرمزية:
"خاتم الصياد"، أو كما يُعرف رسميًا بـ"الخاتم البابوي"، ذلك الخاتم لا يُترك ليبقى شاهدًا على ماضٍ ولى، بل يُدمّر عمدًا، فور إعلان الوفاة، تعبيرًا عن نهاية سلطة روحية، ودرءًا لأي محاولات لتزوير الأختام الرسمية.
خاتم الصيّاد وخليفة بطرس
يعد خاتم الصيّاد أحد الخواتم التي يرتديها البابا عادةً، وهو يحمل صورة للقديس بطرس أثناء اصطياده للأسماك. أصبح هذا التصميم هو المعتمد في منتصف القرن الخامس عشر. وسُجِّل أول استخدام لخاتم الصيّاد مع البابا كليمنت الرابع بين عامي 1265 و1266، حيث كان يُستخدم كختم في الرسائل الخاصة بدلاً من الختم الرسمي الذي كان يُستخدم في الوثائق البابويّة الرسمية.
وفي عام 1842، تم استبدال الختم المعتمد بطابع، إلا أن البابا ما زال يتلقى خاتمًا فريدًا في بداية حبريّته، ويتم تدميره بعد وفاته. وفي أوائل القرن العشرين، ربط البابا القديس بيوس العاشر الغفران الجزئي بتقبيل خاتم الصيّاد.
ومع وفاة البابا فرنسيس، تتجه الأنظار إلى هذا الخاتم الذي يتجاوز كونه زينة من المعادن الثمينة. فهو يحمل بين حوافه معاني تتصل بسلطة روحية ضاربة بجذورها في عمق الزمن، باعتباره رمزًا للبابا بصفته خليفة القديس بطرس. ومنذ قرون، اعتاد الفاتيكان أن يُنهِي الحقبة البابوية بهذا الطقس الصارم: تدمير الخاتم، إيذانًا ببدء فترة تُعرف باسم Sede Vacante، والتي تعني "الكرسي الشاغر"، حيث تستعد الكنيسة الكاثوليكية لاختيار قائد جديد.
في قلب كل حبريّة، يقبع هذا الرمز الثمين: خاتم الصياد. قطعة قد تبدو بسيطة، لكنها تمثل رابطًا بين الإيمان والسلطة والطقوس المتوارثة. وخلال واحدة من أكثر اللحظات حساسية في مسار الكنيسة – لحظة وفاة البابا – تكتسب هذه الجوهرة دلالات لا يمكن إغفالها. فهي ليست زينة تُلبس، بل إرث شعائري له وظيفة دقيقة. عبر العصور، كان تدميرها يعني طي صفحة كاملة من تاريخ الكنيسة وفتح صفحة جديدة.
رغم شهرته باسم "الخاتم البابوي"، فإن اسمه الحقيقي هو "خاتم الصياد" أو Anulus Piscatoris، وهي تسمية لاتينية تشير إلى دور القديس بطرس، أول بابا وفقًا للعقيدة الكاثوليكية، الذي كان صيادًا قبل أن يتحوّل إلى رسول. لذلك، لا يُمنح هذا الخاتم إلا للبابا الشرعي، في إشارة إلى استمرارية السلسلة الرسولية.
خاتم الصياد حافظ على تصميمه لقرون، وإن كانت هناك بعض الاختلافات الطفيفة بين عهد وآخر. التصميم التقليدي يظهر فيه القديس بطرس وهو يُلقي شباكه من مركب في البحر، فيما يُكتب اسم البابا الحالي منقوشًا باللغة اللاتينية على الحافة.
وعلى الرغم من أن الخاتم لم يعُد يُستخدم اليوم لأغراض رسمية كما في السابق، إلا أن تاريخه يشهد على دور كان بالغ الأهمية. في الماضي، استُخدم هذا الخاتم لختم المراسيم البابوية والوثائق الرسمية، ما يمنحها الصفة القانونية والروحية. وكان يعتبر أداة لتأكيد الشرعية والسلطة المطلقة التي كانت للفاتيكان في قراراته.
وبعد وفاة أي بابا، يُنزع الخاتم من إصبعه، ويتم تدميره عبر طقوس دقيقة باستخدام مطرقة تجمع بين الفضة والعاج. هذه اللفتة، إلى جانب رمزيتها الدينية، تهدف عمليًا إلى منع أي استخدام مزوّر له، إذ لم يعد بعد اليوم يمثل سلطة شرعية.
لكن البابا فرنسيس، كما في كثير من الأمور خلال حبريّته، اختار أن يبتعد عن التقاليد الراسخة في تفصيلة دقيقة، لكنها بليغة. فقد صُنِع خاتمه من الفضة المذهبة بدلًا من الذهب الخالص، كما جرت العادة. وهذا القرار لم يكن عابرًا، بل انعكاس واضح لطابعه المتواضع، ولنهجه القريب من الزهد والبساطة. ورغم محافظته على التصميم التقليدي، فإن الخاتم الذي صُمم خصيصًا له، يُعبّر عن بصمته الخاصة، مع أنه لا يزال يحتفظ بخاتم البابا السابق ويستخدمه فقط في بعض المناسبات الخاصة.
لماذا يقبل المؤمنون خاتم البابا؟
لطالما كانت عادة تقبيل خاتم البابا أو الأسقف بمثابة تعبير عن الاحترام في الكنيسة على مدار فترة طويلة، كما أكد الأب روبرتو ريجولي، أستاذ التاريخ الكنسي المعاصر في الجامعة الباباويّة الغريغوريّة. وبيّن ريجولي أن هذه العادة ربما بدأت في أواخر العصور الوسطى، حيث أشار إلى أن تقبيل خاتم البابا يعكس الإخلاص ليس فقط للشخص ذاته، بل للمنصب الذي يمثله، أي "خليفة صيّاد الجليل"، ويعبر عن الوفاء والمحبة تجاه الكنيسة.
وأوضح ريجولي أن عادة تقبيل خاتم البابا، الذي يُعرف أيضًا بـ«خاتم الصيّاد»، تم ذكرها في القرن الخامس عشر في نصوص تتعلق بالاحتفالات الباباويّة، رغم أن ظهورها قد بدأ قبل ذلك بكثير. ومن المعروف أن تقبيل خاتم الأسقف كان أيضًا شائعًا كعلامة احترام وتقدير لكونه خليفة الرسل، بينما تُعتبر يد الكاهن التي مُسِحَت بالميرون رمزًا لتقديس جسد المسيح.
تغييرات في العادة
في العقود الأخيرة من القرن العشرين، بدأ البابا القديس بولس السادس في تغيير بعض الأشكال التقليدية للتعبير عن الطاعة والخضوع للسلطة الباباويّة، مثل تقبيل قدم البابا أو كتفه أو خدّه، حسبما أوضح ريجولي. ومن ناحية أخرى، ذكر الأب يوهانس غروهي، أستاذ تاريخ الكنيسة في الجامعة الحبريّة للصليب المقدس، في حديثه عبر "وكالة الأنباء الكاثوليكيّة" أن إلقاء التحيّة على أسقف بتقبيل خاتمه يعد علامة على كرامته الأسقفيّة، وهو أمر لا يزال منتشرًا على نطاق واسع.
وأضاف غروهي أن هذه الإيماءة كانت في الماضي تترافق مع انحناء الرأس أو ثني الركبة. وأشار إلى أن البابا فرنسيس يظهر موقفًا مختلفًا تجاه هذه العادة، حيث قد يسمح بها في بعض الأحيان، وفي أوقات أخرى يرفضها.