فرنسا والردع النووي.. المقاربة الشاملة ضرورية
فرنسا تعزز قدرتها على الردع النووي مع إطلاق صاروخ من طائرة رافال البحرية في خطوة يرى خبراء أنها ضرورية لكنها لتكفي دون مقاربة شاملة.
ومؤخرا، أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية عن إتمام دورة تحديث صواريخها النووية مع إدخال صاروخ "ASMPA-R" (صاروخ جو-أرض متوسط المدى محسن ومجدد) في الخدمة ضمن القوة الجوية البحرية.
ويأتي هذا الإعلان في إطار جهود باريس لتعزيز قدرتها على الردع النووي وضمان جاهزية أسلحتها على مختلف المنصات، سواء عبر الطائرات أو الغواصات النووية، بحسب محطة "فرانس إنفو" التلفزيونية الفرنسية.
الردع وحده لا يكفي
في قراءتها للخطوة، ترى الباحثة الفرنسية إلويس فاييه، في مركز دراسات الأمن بمعهد العلاقات الدولية الفرنسي، أن تعزيز الترسانة النووية الفرنسية أمر ضروري لردع التهديدات الحالية، لكنه لا يكفي لوحده.
وتقول فاييه، في حديثها لـ"العين الإخبارية"، إن "الردع يكون فعّالًا فقط إذا كان موثوقًا"، مشيرة إلى أن الجدارة التقنية وحدها ليست كافية.
وشددت على ضرورة أن "تكون هناك إرادة سياسية قوية ومصداقية لدى الحلفاء الأوروبيين كي يثقوا بأن فرنسا ستستخدم ترسانتها إذا تطلب الأمر".
وبحسب الباحثة، فإن فكرة الدعوة إلى ردع نووي أوروبي، التي طرحتها فرنسا مؤخرًا، تحمل بعدًا استراتيجيًا مهمًا، لكنها تحمل مخاطر.
وفي توضيحها للجزئية الأخيرة، قالت إن "مشاركة الردع مع دول أوروبية تتطلب بناء ثقة متبادلة والتزام مشترك، وإلا فإن فرنسا قد تجد نفسها في موقف تُضعف فيه سيادتها أو تُجرّ إلى التزامات تتجاوز أولوياتها الأمنية".
وتشير إلى أن التوتر النووي الحالي على الساحة الدولية، لا سيما مع تصاعد قدرات بعض الدول والحديث المتجدد عن السباق النووي، يجعل من تحديث ترسانة الردع الفرنسية خطوة حكيمة من الناحية الدفاعية.
كما حذرت الخبيرة من أن "الردع وحده لا يكفي إذا لم يكن مبنيًا على استراتيجية شاملة تشمل الدبلوماسية الأوروبية، والتعاون مع الحلفاء، وتعزيز القدرات العسكرية التقليدية لدعم قدرات الردع بشبكة أمان أوسع".
صواريخ حديثة
تشمل التحديثات الأخيرة الصواريخ المخصصة لكل من الغواصات النووية والطائرات "رافال" التابعة لكل من الجيش الفرنسي للقوات الجوية والفضاء والبحرية.
وذكرت الوزارة أن إطلاق الصاروخ "ASMPA-R" قد تم بنجاح بواسطة طائرة رافال بحرية دون حمل نووي، مشيرة إلى أن هذا الاختبار "يُكمل عملية تجديد قدرات العنصر المحمول جواً من الردع النووي الفرنسي".
وأعربت وزيرة الجيوش، كاثرين فوتران، عن ارتياحها لهذا الإنجاز، معتبرة أن التجربة الناجحة تعزز مصداقية الردع الفرنسي وتضمن استمرارية التفوق التقني للمنظومة النووية.
تحديث مستمر
في أواخر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أعلنت الوزارة عن دخول النسخة الجديدة من الصواريخ بين القاراتية M51.3، المستخدمة في الغواصات النووية، إلى الخدمة.
وتتبع فرنسا بذلك النهج المعتمد عالميًا بين القوى النووية، وهو تحديث مستمر للتسلح النووي للحفاظ على المصداقية التقنية والقدرة الدفاعية.
وفي إطار الخطط المستقبلية، بدأت فرنسا العمل على تطوير الصاروخ الجو-أرض النووي من الجيل الرابع (ASN4G) المتوقع دخوله الخدمة بحلول عام 2035، بالإضافة إلى النسخة الجديدة من الصاروخ الباليستي M51.4، لضمان استمرار التفوق التكنولوجي والاستراتيجي في المجال النووي.
ويشهد المشهد النووي الدولي تصاعدًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، مع استمرار روسيا في اختبار أسلحة نووية جديدة، وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول احتمال استئناف الاختبارات النووية، فضلاً عن التوسع المستمر للقدرات النووية الصينية.
والأسبوع الماضي، أشار رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الفريق فابيان ماندون إلى أن "الوضع في المجال النووي يثير القلق"، موضحًا أن مستوى الخطاب العدائي والتصريحات حول الأسلحة النووية أصبح "استثنائيًا إلى حد كبير".
فرنسا والردع النووي
تسعى فرنسا من خلال هذه التحديثات إلى ضمان الردع النووي المستمر، والذي يعد حجر الزاوية في استراتيجيتها الدفاعية.
ويتيح إدخال صواريخ "ASMPA-R" المتقدمة على الطائرات رافال تعزيز قدرة الردع الجوي، بينما تواصل الغواصات النووية استخدام صواريخ M51 الحديثة لضمان الجهوزية البحرية.
ويجعل ذلك فرنسا من بين القوى النووية القليلة القادرة على تغطية الردع الشامل والمتنوع عبر جميع الوسائل الاستراتيجية.