صدام ميلانشون-ماكرون.. انتخابات تشريعية ساخنة بفرنسا
تحولت الانتخابات التشريعية الفرنسية المقررة غدا الأحد، إلى صدام مباشر بين الرئيس إيمانويل ماكرون والقيادي اليساري جان لوك ميلانشون.
وبعد شهر ونصف الشهر على إعادة انتخاب ماكرون رئيسا، يتوجه الفرنسيون مجددا إلى صناديق الاقتراع، الأحد، لانتخاب نواب البرلمان، لكن الاقتراع الذي يجري على دورتين، مهدد بالمقاطعة، واليسار الموحد.
ويجري التصويت لانتخاب 577 نائباً، في جولتين، الأولى في 12 والثانية في 19 من الشهر الجاري. ولتشكيل حكومة أغلبية، يحتاج الحزب الفائز إلى تأمين 289 مقعداً.
ويأمل ماكرون في تجديد غالبيته المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان) المقبلة، والتي من شأنها أن تترك له مطلق الحرية لبدء سلسلة إصلاحات خلال ولايته الثانية من خمس سنوات خصوصا بشأن رواتب التقاعد.
وخلال ولايته الأولى التي تخللتها أزمات من تحرك "السترات الصفر" إلى جائحة كورونا، كان ماكرون يحظى بجمعية وطنية مؤيدة لأفكاره، إذ كان ائتلافه الوسطي يملك أغلبية من 350 مقعداً في البرلمان.
صدام بين معسكرين
لكن على خلفية ارتفاع التضخم والتباطؤ الاقتصادي، تبلورت الحملة الانتخابية الحالية حول صدام بين معسكر ماكرون وحلفائه الوسطيين من ناحية، وتحالف غير مسبوق من الأحزاب اليسارية بقيادة ميلانشون.
وكان ميلانشون قد احتل في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان المركز الثالث، ووضع نصب عينيه، الفوز بأغلبية الأصوات في الانتخابات التشريعية، متعهداً بأن يصبح رئيساً للوزراء "لإحياء النظام".
وفي سن السبعين، أثبت ميلانشون المخضرم في الحياة السياسية الفرنسية، أنه خصم ماكرون الرئيسي على رأس التحالف اليساري المكون من الاشتراكيين والشيوعيين والخضر وحزبه "فرنسا المتمردة".
وسخر ميلانشون في مؤتمر انتخابي الأربعاء الماضي، من "الهلع السائد" في معسكر ماكرون من تحالفه، قائلا "عليكم أن تهابوا.. ميلانشون عدواني سيلتهم أطفالكم".
في المقابل، كثف إيمانويل ماكرون المداخلات والزيارات وتوجه الخميس إلى جنوب غرب البلاد، مركّزًا هجماته على ميلانشون، في ظل استطلاعات رأي غير مشجعة.
مقاطعة منتظرة
وعمليا، تمنح طريقة التصويت المقسمة على جولتين، الأفضلية للأحزاب الكبرى المتجذرة محليًا والأفضل توزيعًا على مجمل الأراضي الفرنسية وتعاقب الأحزاب الصغيرة.
لكن يزداد خطر تسجيل نسبة كبيرة من الامتناع عن التصويت في انتخابات الأحد، فمن المرجح أن تسجل الدورة الأولى رقماً قياسياً جديداً في المقاطعة بنسبة تتراوح بين 52% و56% (مقابل 51,3% في 2017)، وفق استطلاع حديث لمعهد "إيبسوس سوبرا ستيريا".
وقبل فترة كان الرهان الرئيسي في هذه الانتخابات هو ما إذا كان تحالف ماكرون الوسطي سيحظى بأغلبية نسبية أو مطلقة في الجمعية الوطنية. لكن الهوة تقلصت مع التحالف اليساري في نهاية الحملة الانتخابية.
فتحالف اليسار بزعامة ميلانشون تقدم بشكل طفيف إلى 28% من نوايا التصويت في الجولة الأولى مقابل 27% للتحالف الرئاسي، ما يمثل تهديدا لأغلبية ماكرون المطلقة في الجمعية الوطنية، وفقًا لاستطلاع "إيبسوس سوبرا ستيريا" الذي نشر الخميس.
فيما سيحصل حزب مارين لوبان اليميني المتطرف (الجبهة الوطنية) على 19,5% من الأصوات، متقدماً بفارق كبير على اليمين التقليدي الذي من المتوقع أن يحصل على 11%.
إلا أن توقعات توزيع المقاعد بعد نهاية الجولتين، لا تزال تمنح الأغلبية للتحالف الرئاسي، بمعدل يتراوح بين 260 و300 نائب، بيد أنه لا يوجد تأكيد قوي على حصول التحالف على غالبية الـ289 نائبًا المطلوبة لتشكيل الحكومة.
مصير الحكومة
ووفق هذا السيناريو، فإن مصير الحكومة الحالية التي شكلت منتصف مايو/أيار، يبقى رهن نتائج الانتخابات التشريعية؛ فالعديد من أعضائها وبينهم رئيسة الوزراء إليزابيت بورن، مرشحون في الانتخابات.
وعلى سبيل المثال، هزيمة بورن المرشحة في دائرة انتخابية في نورماندي (غرب)، ستعني إجراء تعديل وزاري كبير في الحكومة إذا فاز تحالف ماكرون بالأغلبية.
ولكن التحالف اليساري يحلم بسيناريو آخر، إذ يركز أنظاره على الفوز بتشكيل الحكومة وما يعنيه ذلك من الفوز بأغلبية الـ289 مقعدا المطلوبة، وفرض تعايش بين رئيس ورئيس وزراء من حزبين مختلفين، وهو ما لم تشهده البلاد منذ ولاية الرئيس جاك شيراك في عام 2002.
ورغم هذا الطموح الكبير، إلا أن درجة نجاح هذا السيناريو غير مرجحة إلى حد كبير في ضوء نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، وفق مراقبين.
في السياق ذاته، أدت المواجهة بين معسكري ماكرون وميلانشون إلى إبعاد مارين لوبان التي سعت لإثبات وجودها طوال الحملة الانتخابية مستندة لنتائجها الكبيرة في الانتخابات الرئاسية الماضية.
ووصفت لوبان الوضع في البلاد بأنه "مأساوي" مع انعدام الأمن، مشيرة إلى "قضية استاد فرنسا"، حيث ساهمت مجموعات من "المشاغبين" في تدشين "ليلة من الرعب"، في إشارة إلى التنظيم الفاشل لنهائي دوري أبطال أوروبا في 28 مايو/أيار في الملعب، وما ارتبط به من أحداث شغب.
نقاط ساخنة
تشهد الانتخابات التشريعية الفرنسية، العديد من النقاط الساخنة، إذ يخوض اليمين المتطرف معركة صعبة في الريفييرا الفرنسية، حيث يتنافس المرشح السابق المثير للجدل إريك زمور الذي حل في المرتبة الرابعة في الاقتراع الرئاسي مع مرشحة من تحالف ماكرون ومرشح من حزب لوبان.
وفي شرق البلاد، يراهن وزير التضامن داميان آباد المنشق عن اليمين والتحق بمعسكر ماكرون، على مستقبله السياسي بسبب اتهامات بالاغتصاب ينفيها بشدة.
وفي التحالف اليساري، وضع ميلانشون خطة سياسية لإداره الحكم بفرنسا، مع الاعتراف بوجود اختلاف بين أحزاب التحالف، وتأكيد أن فكرة التحالف "لم تكن تعني انصهارا أيديولوجيا".
ويدعو التحالف اليساري إلى خفض سن التقاعد من 62 إلى 60 عاماً، ورفع الحد الأدنى للأجور بنحو 15 بالمئة، أي إلى 1500 يورو شهرياً، وإعادة فرض ضريبة الثروة على الأفراد والشركات، وتجميد أسعار المواد الأساسية، وخلق مليون فرصة عمل.