تلويح فرنسي بنشر قوات في أوكرانيا.. طموح سياسي أم فخ استراتيجي؟
رغم الجدل المستمر داخل أوروبا حول جدوى إرسال قوات برية إلى أوكرانيا، تبدو باريس عازمة على لعب دور عسكري أكبر في الحرب الدائرة في كييف.
تلويح فرنسي بنشر قوات في أوكرانيا.. مغامرة أم اختبار للقدرات؟
رغم الجدل المستمر داخل أوروبا حول جدوى إرسال قوات برية إلى أوكرانيا، تبدو باريس عازمة على لعب دور عسكري أكبر في الحرب الدائرة في كييف.إذ أعلن قائد القوات البرية الفرنسية، الجنرال بيار شيل، أن بلاده ستكون «جاهزة لنشر قواتها في أوكرانيا عام 2026 إذا تطلبت الظروف ذلك».
وأوضح في تصريحاته أن العام نفسه «قد يشهد تشكيل تحالفات دولية جديدة لدعم كييف»، مؤكدًا أن فرنسا تعمل على إعداد جيشها لاحتمال المشاركة ضمن ضمانات أمنية غربية لأوكرانيا، بحسب مجلة مليتري ووتش.
ومع تفاقم الخسائر الأوكرانية على الجبهات، برزت دعوات متزايدة من قادة أوروبيين مؤثرين لدراسة هذا الخيار، من بينهم رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس، ووزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي، ونظيراه الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس والفنلندية إلينا فالتونين.

لكن أكثر الدول حماسة لفكرة التصعيد العسكري هي فرنسا والمملكة المتحدة، إلى جانب عدد من الدول الإسكندنافية. ففي الثاني من مارس/آذار الماضي، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن لندن وباريس مستعدتان لقيادة ما وصفه بـ«تحالف الراغبين» لدعم المجهود الحربي الأوكراني.
وأشار إلى أن هذا الدعم قد يشمل نشر قوات برية وطائرات مقاتلة لتأمين المواقع الأوكرانية على الخطوط الأمامية، في خطوة ستكون سابقة في مسار الحرب المستمرة منذ عام 2022.
غير أن التساؤلات لا تزال مطروحة حول مدى قدرة أوروبا على تنفيذ مثل هذا التدخل. فالقوات البرية الأوروبية تعاني نقصًا في الأفراد والعتاد مقارنة بالقوى العسكرية الكبرى.
ونقلت صحيفة التايمز البريطانية عن مصدر دبلوماسي أوروبي قوله إن «أي عملية ناجحة في أوكرانيا لن تكون ممكنة من دون مشاركة الولايات المتحدة»، لأنها - بحسب تعبيره - «الدولة الوحيدة القادرة على الردع والرد على نطاق واسع إذا تصاعدت المواجهة».
إلا أن احتمال مشاركة واشنطن في تصعيد عسكري مباشر تضاءل كثيرًا بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ يُعرف بموقفه المتحفظ من التزامات بلاده داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومن انخراطها في النزاعات الخارجية، وهو ما قد يترك الأوروبيين بمفردهم في ساحة معركة معقدة، بحسب التايمز.
وقد وجّه الجنرال الأمريكي المتقاعد إتش ماكماستر - مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب - انتقادات لاذعة للجيوش الأوروبية، مؤكدًا أنها «تفتقر إلى القدرة على تنفيذ عمليات برية واسعة النطاق». وقال ساخرًا: «انظروا إلى الجيش البريطاني الآن… المشهد يدعو إلى الحزن».
من جانبها، حذرت هيئة الاستخبارات الخارجية الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 من أن بعض دول الناتو تخطط بالفعل لنشر قوات برية في أوكرانيا بهدف «تجميد النزاع» ووقف الخسائر الأوكرانية مؤقتًا، ريثما يُعاد بناء الجيش المحلي واستئناف القتال لاحقًا في ظروف أكثر ملاءمة للغرب.

وبحسب ما ورد في التقارير الروسية، فإن دول الحلف «تسعى لمنع روسيا من تحقيق مزيد من المكاسب الميدانية»، مع الإشارة إلى أن الناتو بدأ بالفعل إنشاء مراكز تدريب جديدة لتأهيل ما لا يقل عن مليون مجند أوكراني خلال الأعوام المقبلة.
في المقابل، أكدت موسكو أن أي نشر علني لقوات برية تابعة للناتو داخل الأراضي الأوكرانية سيُعتبر تجاوزًا صريحًا لـ«الخط الأحمر» الروسي، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري غير مسبوق بين روسيا والغرب.
وبينما تواصل فرنسا الترويج لدورها القيادي في الدفاع عن أوكرانيا، يبقى السؤال مطروحًا: هل تمتلك باريس – ومعها أوروبا – القدرة الحقيقية على خوض حرب برية طويلة في مواجهة روسيا؟ أم أن هذه التصريحات لا تعدو كونها رسالة ردع سياسية أكثر منها خطة واقعية قابلة للتنفيذ؟